قال أبو بكر بن محمد حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير
حدثنا الحارث بن مرة حدثنا عمر بن عامر السلمي قال عاتب صاحب شرطة معاوية ابنا له
حتى أخرجه من البيت ثم قام حتى أغلق الباب بينه وبينه وابنه في الصفة فأرق الفتى
من سخط أبيه فبينما هو كذلك إذا مناد ينادي على الباب يا سويد فقال الفتى والله ما
في دارنا سويد حر ولا عبد قال فانخرط لنا سنور أسود من شرجع لنا في الصفة قال فأتى
الباب قال من هذا قال أنا فلان قال من أين جئت قال من العراق قال فما حدث فيها قال
قتل على بن أبي طالب رضي الله عنه قال فهل عندك شيء تطعمنيه فإني جوعان فقال والله
لقد خمروا آنيتهم وسموا عليها غير أن ههنا سفودا شووا عليه شواية لهم وعليه وضر
فهل لك فيه قال نعم قال فجاء سويد بالسفود قال والسفود مسند في زاوية البيت قال
فغمض الفتى عينيه فأخذ سويد السفود فأخرجه إليه من ذلك الباب قال فعرقه حتى سمعت
عرقه إياه قال ثم جاء به فأسنده على زاوية الصفة قال فقام الفتى فضرب على أبيه
الباب حتى أيقظه فقال من هذا قال فلان قال أخرج إلى قال لا قال إنه حدث امر عظيم
قال ففتح له قال فحدثه الحديث قال اسرج لي فأسرج له فأتى باب معاوية فطلب الإذن
حتى وصل إليه فحدثه الحديث قال من سمع هذا قال يا أمير المؤمنين سمعه ابن أخيك قال
وهو معك قال نعم قال فأدخله فأدخله عليه فحدثه الحديث قال فكتب تلك الساعة وتلك
الليلة فكان كذلك والله سبحانه وتعالى أعلم
قال ابن أبي الدنيا حدثنا منذر بن عمار الكاهلي أنبأنا
عمرو ابن المقدام أنبأنا الجصاصون أنهم كانوا يسمعون نوح الجن على الحسين
مسح النبي جبينه
فله بريق في الخدود
أبواه من عليا قري
ش وجده خير الجدود
وقال عباس الدوري حدثنا يونس بن محمد حدثنا حماد بن
سلمة عن عمار بن أبي عمار عن ام سلمة قالت ناحت الجن على الحسين بن علي رضي الله عنهما
قال ابن أبي الدنيا حدثني سويد بن سعيد حدثنا عمرو ابن ثابت عن حبيب بن أبي ثابت
عن ام سلمة قالت ما سمعت نوح الجن على احد منذ قبض النبي -
صلى الله عليه وسلم - حتى قتل الحسين فسمعت جنية تنوح
ألا يا عين فاحتفلي بجهد
ومن يبكي على الشهداء بعدي
على رهط تقودهم المنايا
إلى متجبر في الملك عند
حدثني محمد بن عباد بن موسى حدثنا هشام بن محمد حدثني
ابن حيزوم الكلبي عن أمه قالت لما قتل الحسين سمعت مناديا ينادي في الجبال
أيها القوم القاتلون حسينا
أبشروا بالعذاب والتنكيل
كل أهل السماء يدعو عليكم من
نبي ومالك وقبيل
قد لعنتم على لسان ابن داود
وموسى وحامل الإنجيل
قال عبد الله بن محمد حدثنا أبو زيد النميري حدثني أبو
غسان محمد بن يحيى الكناني حدثني بعض آل الزبير قال لما قتل أهل الحرة هتف هاتف
بمكة على أبي قبيس
قتل الخيار بنو الخيار
ذوو المهابة والسماح
الصائمون القائمون
القانتون أولو الصلاح
المهتدون المتقون
السابقون إلى الفلاح
ماذا بواقم والبقي
مع من الجحا جحة والصباح
وبقاع يثرب ويحهن
من النوائح والصياح
فقال ابن الزبير لأصحابه يا هؤلاء قد قتل أصحابكم فإنا
لله وإنا إليه راجعون
رأي المؤلف وتعليقه
قلت كانت وقعة الحرة لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث
وستين على باب طيبة واستشهد فيها خلق كثير وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم قال
خليفة فجميع من أصيب من قريش والأنصار ثلاثمائة وستون وروى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقف على الحرة وقال ليقتلن بهذا
بهذا المكان رجال هم خيار أمتي بعد أصحابي وكان سببها أن اهل المدينة خلعوا يزيد
بن معاوية وأخرجوا مروان بن الحكم وبني أمية وأمروا عليهم عبد الله بن حنظلة
الغسيل ولم يوافق أهل المدينة أحد من أكابر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين كانوا فيهم فجهز إليهم
يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة فأوقع بهم قال السهيلي وقتل في ذلك اليوم من وجوه
المهاجرين والأنصار ألف وسبعمائة وقتل من أخلاط الناس عشرة آلاف قال شيخنا الحافظ
أبو عبد الله الذهبي هذا خسف ومجازفة والحرة التي يعرف بها هذا اليوم يقال لها حرة
زهرة وعرفت حرة زهرة بقرية كانت لبنى زهرة قوم من اليهود قال الزبير في فضائل
المدينة كانت قرية كبيرة في الزمن القديم وكان فيها ثلاثمائة صانع وكان يزيد قد
أعذر إلى أهل المدينة وبذل لهم من العطاء أضعاف ما يعطي الناس واجتهد في استمالتهم
إلى الطاعة والتحذير من الخلاف ولكن أبي الله إلا ما أراد “ فالله يحكم بينهم يوم
القيامة فيما كانوا فيه يختلفون “
قال شكر الهروي حدثنا محمد بن عبيد الله بن محمد بن
عبيد الله ابن عاصم بن عمر بن عبد العزيز حدثني مؤمل بن إياب حدثنا اسماعيل ابن
داود المخراق حدثنا الماجشون قال خرجت بمكة في ليلة وإذا أنا بكلب يعدو حتى دخل في
وسط كلاب فقال أتضحكن وتلعبن وقد مات الليلة عمر بن عبد العزيز قال فانجفلت ومررت
فحسبنا تلك الليلة فوجدنا عمر بن عبد العزيز قد مات
قال الحاكم أبو عبد الله في تاريخ نيسابور في ترجمة
هارون الرشيد قال سمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه يقول سمعت ابراهيم بن عبد
الله السعدي يقول صعدت المئذنة لأؤذن فوقفت انتظر الصبح فإذا شبه كلب في ناحية
الري مستقبله مثله من الناحية الأخرى فقال أحدهما لصاحبه سويق فقال بليق فقال إيش
الخبر قال توفي أمير المؤمنين فنزلت وكتبت فإذا هارون مات في تلك الليلة
قلت توفي هارون بطوس ليلة السبت لثلاث خلون من جمادي
الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة ومكث خليفة ثلاثا وعشرين سنة وشهرا وعمره سبع
واربعون سنة والله أعلم
قال أبو القاسم عبد الله بن أبي العوام السعدي أخبرنا
أسامة بن أحمد ابن اسامة أبو سلمة حدثنا الحسن بن منصور النيسابوري حدثنا محمد ابن
منصور الملائي حدثنا أبو عاصم الرقي حدثنا الخليجي أن الجن بكت أبا حنيفة ليلة مات
وكانوا يسمعون الصوت ولا يرون الشخص
ذهب الفقه فلا فقه لكم
فاتقوا الله وكونوا خلفا
مات نعمان فمن هذا الذي
يحيى الليل إذا ما سدفا
وكانت وفاة أبي حنيفة سنة خمسين ومائة ببغداد
قال عباس الدوري في تاريخه حدثنا أصحابنا عن وكيع أنه
خرج إلى مكة وكانوا إذ ذاك يخرجون في الصيف فجعل أهله يسمعون النوح في دارهم وكانت
دارهم قوراء كبيرة فجعلوا لا يشكون أن النوح من دارهم فاستيقظ عياله فجعلوا يسمعون
النوح فلما قضى الناس الحج وقدموا سألهم الناس عن وكيع متى مات فقالوا في ليلة كذا
وكذا فإذا هي الليلة التي سمعوا النوح فيها
قلت كان وكيع إماما حافظا واعيا للعلم يصوم الدهر
ويختم القرآن كل ليلة مع خشوع وورع وكان يفتي بقول أبي حنيفة وسمع منه كثيرا وتوفي
سنة سبع وتسعين ومائة عن ثمان وستين سنة وله أخبار رحمه الله وترجمته كبيرة
حكى الزمخشري أنه حج أربعين حجة ورابط في عبادان
أربعين ليلة وختم بها القرآن أربعين ختمة وروى اربعة آلاف حديث وتصدق بأربعين ألفا
وما روى واضعا جنيه والله تعالى اعلم
قال أبو بكر بن أبي الدنيا حدثنا عبد الله بن عمرو حدثني
المؤمل ابن حماد الكلبي حدثني عمرو بن شيبان قال كنت ليلة قتل المتوكل في منزلي
بالشام ولم أعلم أنها الليلة التي قتل فيها جعفر فلم اشعر إلا وهاتف يهتف في زوايا
الدار يقول
يا نائم الليل في جثمان يقظان
أفض دموعك يا عمرو بن شيبان
ففزعت لذلك ثم إني نمت فأعاد الصوت فما زال على هذا
ثلاث مرار كأنه يفهمني فقلت للجارية اعطيني دواة وقرطاسا فوضعته بجنبي فاندفع يقول
يا نائم الليل البيت
أما ترى العصبة الأنجاس ما
فعلوا
بالهاشمي وبالفتح بن خاقان
وافى إلى الله مظلوما فعج له
أهل السموات من مثنى ووحدان
فالطير ساهمة والغيث منحبس
والنيت منتقص في كل أبان
والسعر ينقض والأنهار يابسة
والأرض هامدة في كل أوطان
وسوف تأتيكم أخرى مسومة
توقعوها لها شأن من الشان
فابكوا على جعفر وارثوا خليفتكم
فقد بكاه جميع الإنس والجان
قال عبد الله بن محمد حدثني ميسرة بن حسان حدثني جعفر
ابن مسعدة قال كنت بسامرا بعد قتل المتوكل فأريت في النوم كأن قائلا يقول
لقد خلوك وانصدعوا
فما ألووا وما ربعوا
ولم يوفوا بعهدهم
فتبا للذي صنعوا
ألا يا معشر الموتى
إلى من كنتم تقعوا
لنطلبها فإن القلب
قد أودى به وجع
ولم نعرف لكم خبرا
فقلبي حشوه الجزع
قال فبكيت في نومي أشد البكاء فانتبهت وقد حفظت
الأبيات
فقال لي صاحب لي كان معي ما قصتك ما زلت سائر ليلتك
تبكي في نومك
قلت المتوكل على الله هو جعفر أبو الفضل بن المعتصم
بالله ابي اسحاق محمد بن هارون الرشيد بن موسى الهادي بن محمد المهدي ابن أبي جعفر
المنصور قتل في شوال سنة سبع وأربعين ومائتين وكانت مدة خلافته أربع عشرة سنة
وعشرة أشهر وثلاثة أيام وسنه اربعون سنة أباؤه كلهم خليفة وكذلك أخواه المعتز
بالله والمعتمد على الله رضي الله تعالى عنهم
قال ابو الشيخ في النوادر حدثنا عبد الرحمن بن داود
حدثنا أحمد بن عبد الوهاب حدثنا أبو المغيرة حدثنا أبو معشر حدثنا عيسى ابن أبي
عيسى قال بلغ الحجاج بن يوسف أن بأرض الصين مكانا إذا اخطأوا فيه الأرض سمعوا صوتا
يقول هلم الطريق ولا يرون أحدا فبعث ناسا وأمرهم أن يتخاطوا الطريق عمدا فإذا
قالوا لكم هلموا الطريق فاحملوا عليهم فانظروا ما هم ففعلوا ذلك قال فدعوهم فقالوا
هلموا الطريق فحملوا عليهم فقالوا إنكم لن ترونا فقالوا منذ كم أنتم ههنا قالوا ما
نحصي السنين غير أن الصين خربت ثماني مرار وعمرت ثماني مرار ونحن ههنا ورواه أبو
عبد الرحمن محمد بن المنذر الهروي المعروف بشكر في كتاب العجائب فقال حدثنا عباس
الدوري حدثنا محمد بن بكار حدثنا ابو معشر فذكره وقال ابن ابي الدنيا حدثنا زكريا
بن الحارث بن ميمون
العبدي حدثنا معاذ بن هشام عن ابيه عن قتادة قال قال
الحسن الجن لا يموتون قال قلت قال الله تعالى “ أولئك
الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس
“
قلت ومعنى قول الحسن أن الجن لا يموتون أنهم منظرون مع
إبليس فإذا مات ماتوا معه وظاهر القرآن يدل على أن إبليس غير مخصوص بالإنظار إلى
يوم القيامة وأما ولده وقبيله فلم يقم دليل على أنهم منظرون معه وظاهر قوله تعالى
“ فإنك من المنظرين “ يدل على أن ثم منظرين غير
إبليس وليس في القرآن ما يدل على أن المنظرين يهم الجن كلهم فيتحمل أن يكون بعض
الجن منظرين وأما كلهم فلا دليل عليه وقد قدمنا في أمر الجن الوافدين على رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - أخبارا تدل على
موتهم وكذلك في غضون الأبواب المتقدمة وقد صرح ابن عباس بذلك وأن إبليس مخصوص
بالإنظار.
قال أبو الشيخ في كتاب العظمة حدثنا الوليد حدثنا
العباس بن حمدان حدثنا مؤمل حدثنا اسماعيل عن الجريري عن حبان عن زرعة ابن ضمرة
قال قال رجل لابن عباس أتموت الجن قال نعم غير إبليس قال فما هذه الحية التي تدعى
الحان قال هي صغار الجن وقال ابن شاهين في غرائب السنن حدثنا عثمان بن احمد حدثنا
حنبل ابن اسحاق حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا شعيب بن هارون حدثنا فضيل بن كثير بن
دينار حدثنا عكرمة عن ابن عباس قال إن الدهر يمر بإبليس فيهرم ثم يعود ابن ثلاثين
وقال ابن أبي الدنيا حدثنا إبراهيم ابن راشد حدثنا داود بن مهران حدثنا حماد بن
شعيب عن عاصم الأحول قال سألت الربيع بن أنس فقلت أرأيت هذا الشيطان الذي مع
الإنسان لا يموت قال وشيطان واحد هو أنه ليتبع الرجل المسلم في الفتنة مثل ربيعة
ومضر قال ابن أبي الدنيا حدثنا زكرياء بن الحارث بن ميمون العبدي.
حدثنا معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن عبد الله بن
الحارث قال الجن يموتون ولكن الشيطان بكر البكرين لا يموت قال قتادة أبوه بكر وأمه
بكر وهو بكرهما وأورده أبو الشيخ في كتاب العظمة فقال حدثنا محمد بن يحيى حدثنا
محمد بن المثنى حدثنا معاذ فذكره والله أعلم حشر الجن
فصل في حشر الجن قال الله تعالى “ ويوم نحشرهم جميعا “
الآية روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال يحشر الله تعالى الجن والإنس في الأرض
التي قد مدت مد الأديم العكاظي ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي وينزل سبط من الملائكة
فيطوفون بالإنس والجن ثم ينزل سبط ثان فيطوفون بالملائكة ثم ثالث ثم ذكر السادس
ذكره إمام الحرمين في الشامل.
قال ومن صحيح الأخبار أن الأرض إذا زلزلت وسير جبالها
فتحاول الجن النفوذ من أقطار السموات فيلقون ثمانية عشرة صفا من الملائكة حراسا
فيضربون وجوههم ويقولون إليكم “ لا تنفذون إلا بسلطان
“ قال وهذا الحديث أورده الضحاك في تفسيره وغيره والله سبحانه وتعالى أعلم
قال أبو الوفا على بن عقيل في كتاب الإرشاد إن قيل لك
إبليس كان من الملائكة أم لا فقل من الملائكة خلافا لبعض أصحابنا وبهذا قال أبو
بكر عبد العزيز لأن الباري سبحانه وقال “ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا
إلا إبليس “ والاستثناء لا يكون من غير الجنس هذا هو المشهور في لغة العرب بدلالة
أنه لا يحسن قول القائل فتح الخبازون إلا فلانا ويريدون فلانا الحداد ولا يحسن أن
يقول رأيت الناس إلا حمارا وان استدل مستدل على جوازه بقول القائل
وبلدة ليس بها أنيس
إلا اليعافير وإلا العيس
فقل اليعافير والعيس من جنس ما يؤنس به وإنما
استثناهما من الإيناس لا من غير ذلك لأنه لم يجز لغير الأنيس ذكر لا آدمي ولا جني
ولا غير ذلك قال والذي يدل على صحة هذا وانه من الملائكة أنه لو لم يكن منهم لما
حسن لومه وسبه بامتناعه لأن له أن يقول أمرت وقد كان مناظرا على ما هو أقل من هذا
فلما عدل إلى قوله “ أنا خير منه “ علم أنه انصرف الأمر إليه ولهذا لو نادى
السلطان لا يفتح البزازون ففتح الخبازون لم يحسن لومهم لأنهم لم يدخلوا تحت النهي
فإن قالوا فقد خصه باسم فقال إلا إبليس كان من الجن قيل الجن نوع من الملائكة يقال
لهم الجن كما يقال الكروبيون والروحانيون والخزنة والزبانية وهم كلهم جنس واحد
يشتمل على أنواع كالآدميين زنج وعرب وعجم فلو قال قائل أمرت عبيدي كلهم بالطاعة
فأطاعوا إلا فلانا فإنه كان من الزنج فعصاني لم يدل على ان عبده الزنجي لا يشارك
عبيده في الجنسية وإن فارقهم في النوعية أنتهى وقال أبو يعلى رأيت في تعليقات أبي
اسحاق بن شاقلا يقول سمعت الشيخ يعني أبا بكر وقد سئل عن إبليس أمن الملائكة فقال
أمر بالسجود فلولا أن إبليس منهم ما كان مأمورا قال أبو اسحاق فقلت أجمعنا أن
الملائكة لا تتناكح ولا لها ذرية وقد كان لإبليس ذرية دل على أنه من غيرها وظاهر
كلام أبي بكر عبد العزيز أنه من جملة الملائكة وقد صرح أبو بكر في كتاب التفسير
أنه من الملائكة وحكى الاختلاف فيه وانه لو لم يكن من الملائكة خرج عن أن يكون
مأمورا بالسجود لأن السجود انصرف إلى الملائكة وقد أجمعنا على أنه كان مأمورا به
وهو قول الأكثر من المفسرين ابن عباس وغيره وقول ابن مسعود وجماعة من الصحابة
وسعيد بن المسيب وآخرين وبه قال جماعة من المتكلمين قال أبو القاسم الأنصاري وهو
مذهب شيخنا أبي الحسن وظاهر كلام ابي اسحاق انه ليس من الملائكة وأنه من الجن لأنه
اعترض على أبي بكر بالدليل وهو قول ابي الحسن البصري قال الحسن البصري لم يكن
إبليس من الملائكة طرفة عين قال أبو يعلى فإن قيل فقد قال تعالى “ إلا إبليس كان من الجن “ قال قبل هذا إخبار عما كان
مستترا فيه من معصية الله عز وجل ومخالفة أمره لأن اشتقاق الجن من الاستتار ومنه
قوله في الجنين جنين لاستتاره في بطن أمه ومنه سمي المجنون مجنونا لأنه قد ستر
بالخبال عقله وجواب آخر وهو أن أبا بكر قد ذكره في كتاب التفسير في كتابه عن ابن
عباس وابن مسعود جعل إبليس على ملك سماء الدنيا وكان من قبيلة من الملائكة يقال
لهم الجن وإنما سموا الجن لأنهم خزان الجنة وكان إبليس مع ملكه خازنا وأما ما احتج
به أبو اسحاق من أن إبليس له الشهوة فقد حدثت له الشهوة بعد أن محي من ديوانهم كما
حدثت الشهوة في هاروت وماروت بعد أن هبطا إلى الأرض وقيل إنهما هويا امرأة وقد
كانا ملكين وإذا ثبت أنه من الملائكة وأنه محى من ديوانهم لما كان منه من العصيان
وكذلك هاروت وماروت انتهى
رأي المؤلف
قلت وقد ذكر الطبري في تاريخه قول ابن عباس فقال حدثنا
القاسم بن الحسن حدثنا الحسين بن داود حدثني حجاج عن ابن جريج قال قال ابن عباس
كان إبليس من أشرف الملائكة وأكرمهم قبيلة وكان خازنا على الجنان وكان له سلطان
سماء الدنيا وكان له سلطان الأرض وبه عن ابن جريج عن صالح مولى التوأمة وشريك بن أبي
نمر أحدهما أو كلاهما عن ابن عباس قال إن من الملائكة قبيلة من الجن كان إبليس
منها وكان يسوس ما بين السماء والأرض حدثني موسى بن هارون الهمدني حدثنا عمرو بن
حماد حدثنا أسباط بن نصر عن السدي في خبر ذكره عن ابي مالك وعن أبي صالح عن ابن
عباس وعن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل إبليس ملك سماء الدنيا وكان
من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن وإنما سموا الجن لأنهم خزان الجنة وكان إبليس
مع ملكه خازنا وقال أبو بكر القرشي حدثنا إبراهيم بن سعيد حدثنا نصر بن علي حدثنا
نوح بن قيس عن أبي يسر بن جزور عن قتادة قال كان إبليس عاشر عشرة من الملائكة على
الريح .
قال الطبري حدثنا أبو كريب عثمان بن سعيد حدثنا بشر بن
عمار عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال كان إبليس من حي من أحياء الملائكة
يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم من بين الملائكة قال وكان اسمه الحارث يعني
بالعربية قال وكان خازنا من خزان الجنة قال وخلقت الملائكة كلهم من نور غير هذا
الحي قال وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار وهو لسان النار الذي
يكون في طرفها إذا التهبت قال وخلق الإنسان من طين فأول من سكن الأرض بنو الجن
فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء وقتل بعضهم بعضا فبعث الله إليهم إبليس ومن معه حتى
ألحقهم بجزاير البحور وأطراف الجبال فلما فعل إبليس ذلك اغتر في نفسه وقال قد صنعت
شيئا لم يصنعه أحد قال فاطلع الله على ذلك من قلبه ولم يطلع عليه الملائكة الذين
كانوا معه.
قلت ويدل على قول ابن شاقلا ما رواه ابن أبي الدنيا عن
علي ابن محمد بن إبراهيم حدثنا أبو صالح حدثني معاوية بن صالح أن العلاء بن الحارث
حدثه عن ابن شهاب أنه سئل عن إبليس قال إبليس من الجن وهو أبو الجن كما أن آدم من
الناس وهو أبو الناس والله سبحانه وتعالى أعلم
قال ابن عقيل ان قال لك قائل هل كلم الله تعالى إبليس
من غير واسطه فقد اختلف العلماء في ذلك أعني الاصوليين فقال المحققون منهم لم يكلمه
قال وقال بعضهم بل كلمه والصحيح أنه لا يجوز أن يكون كلمة كفاحا وإنما يكون على
لسان ملك لأن كلام الباري لمن كلمه رحمة ورضى وتكرم وإجلال ألا ترى أن نبيا من
الأنبياء فضل بذلك على سائر الأنبياء ما عدا الخليل محمدا - صلى الله عليه وسلم - وجميع الآى الواردة محمولة على أنه أرسل إليه
بملك يقول فإن قيل أليس رسالته تشريفا وقد كانت لإبليس على غير وجه التشريف كذلك
يكون كلامه تشريفا لغير إبليس ولا يكون تشريفا لإبليس قيل مجرد الإرسال ليس بتشريف
وإنما يكون لإقامة الحجة بدلالة أن موسى عليه السلام أرسله إلى فرعون وهامان ولا
شرف لهما ولا قصد إكرامهما وإعظامهما لعلمه بأنهما عدوان له وكلامه إياه تشريفا له
قالوا لما قال للملائكة اسجدوا هل كان مخاطبا معهم أم لا قيل يجوز أن يدخل في عموم
النطق ولا يخص بذلك بدلالة أنه سبحانه شرف نبيه بتخصيصه على سائر الأمم فلم يبلغوا
بخطاب العموم خطابه الخاص ويجوز أيضا حمل خطابه وأمره بالسجود الخاصة من الملائكة
كفاحا ولإبليس بالارسال ويكون اللفظ عاما مطلقا والمعنى مفصلا كما يقال أمر
السلطان رعيته بالخدمة لزيد وإن كانوا مختلفين في مراتب أمره بعضهم شافهه وبعضهم
أرسل إليه قالوا كيف يجعل غضبه عليه وكونه عاصيا حجة في عدم كلامه وقد أخبر سبحانه
بأنه يكلم من هذا حاله فقال “ ويوم يناديهم فيقول أين
شركائي الذين كنتم تزعمون “ “ قال اخسؤوا فيها ولا
تكلمون “ ولأن الكلام بالغضب والعذاب لا يكون تشريفا بل انتقاما كالملك إذا
شتم خادمه وضربه وأمر بقتله لا يقال قد أكرمه قيل كلام العالي تشريف لمن يكلمه وإن
كان وعيدا فلهذا لا يكلم السلطان لمن غضب عليه ولعنه بنفسه فأما السقاط والحارس
فإنه بكل ذلك إلى خدمه ورعيته وقد نبه سبحانه على ذلك وأن كلامه يشرف به المخاطب
فقال سبحانه “ ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم
القيامة ولا يزكيهم “ وقال تعالى “ وما كان لبشر
أن يكلمه الله إلا وحيا “ وهذا يدل على ما ذكرت وأما قولهم ويوم يناديهم
فالمراد يناديهم على لسان بعض ملائكته إرسالا بدلالة الآية الثانية وهي قوله
سبحانه “ ولا يكلمهم الله يوم القيامة “ ولو كان النداء هناك الكلام لكان القرآن
متناقضا ونحن نجمع بين الآيتين فنقول يناديهم ببعض ملائكته ولا يكلمهم بنفسه ولهذا
يقال قد نادى السلطان في البلد بمعنى أمر مناديا فنادى لا أنه نادى بنفسه والله
تعالى أعلم
اعلم أن هذه الشبهة التي ذكرها إبليس إنما ذكرها على
سبيل التعنت وإلا فامتناعه من السجود لآدم إنما كان عن كبر وكفر ومجرد إباء وحسد
ومع ذلك فما أبداه من الشبهة فهو داحض لأنه رتب على ذلك أنه خير من آدم لكونه خلق
من نار وآدم خلق من طين ورتب على هذا أنه لا يحسن منه الخضوع لمن دونه ومن هو خير
منه وهذا باطل من وجوه
الأول أن النار طبعها الفساد وإتلاف ما تعلقت به بخلاف
التراب
الثاني أن النار طبعها الخفة والطيش والجدة والتراب
طبعه الرزانة والسكون والثبات
الثالث أن التراب يتكون فيه ومنه أرزاق الحيوان
وأقواتهم ولباس العباد وزينتهم وآلات معايشهم ومساكنهم والنار لا يكون فيها شيء من
ذلك
الرابع أن التراب ضروري للحيوان لا يستغنى عنه البتة
ولا عما يتكون فيه ومنه والنار يستغنى عنها الحيوان البهيم مطلقا وقد يستغني عنها
الإنسان الأيام والشهور فلا يدعوه إليها ضرورة
الخامس أن التراب إذا وضع فيه القوت أخرجه أضعاف أضعاف
ما وضع فيه فمن بركته يؤدي ما استودعته فيه إليك مضاعفا ولو استودعته النار لخانتك
وأكلته ولم تبق ولم تذر
السادس أن النار لا تقوم بنفسها بل هي مفتقرة إلى محل
تقوم به يكون حاملا لها والتراب لا يفتقر إلى حامل فالتراب أكمل منها لغناه
وافتقارها
السابع أن النار مفتقرة إلى التراب وليس التراب مفتقرا
إليها فإن المحل الذي تقوم به النار لا يكون إلا متكونا أو فيه من التراب فهي
الفقيرة إلى التراب وهو الغنى عنها
الثامن أن المادة الإبليسية هي المارج من النار وهو
ضعيف تتلاعب به الأهوية فيميل معها كيفما مالت ولهذا غلب الهوى على المخلوق منه
فأسره وقهره ولما كانت المادة الآدمية هي التراب وهو قوي لا يذهب مع الهواء أيما
ذهب قهر هواه وأسره ورجع إلى ربه فاجتباه واصطفاه وكان الهواء الذي مع المادة الآدمية
عارضا سريع الزوال فزال وكان الثبات والرزانة اصليا له فعاد إليه وكان إبليس
بالعكس من ذلك فعاد كل منهما إلى أصله وعنصره آدم إلى أصله الطيب الشريف واللعين
إلى أصله الردي
التاسع أن النار وإن حصل منها بعض المنفعة والمتاع
فالشر كامن فيها لا يصدها عنه إلا قسرها وحبسها ولولا القاسر والحابس لها لأفسدت
الحرث والنسل التراب فالخير والبركة كامن فيه كلما أثير وقلب ظهرت بركته وخيره
وثمرته فأين أحدهما من الآخر
العاشر أن الله تعالى أكثر ذكرها في كتابه وأخبر عن
منافعها وخلقها وأنه جعلها مهادا وفراشا وبساطا وقرارا أو كفات للأحياء والأموات
ودعا عباده إلى التفكر فيها والنظر في آياتها وعجائبها وما أودع فيها ولم
يذكر النار إلا في معرض العقوبة والتخويف والعذاب إلا
في موضع أو موضعين ذكرها فيه بأنها تذكرة ومتاع للمقوين تذكرة بنار الآخرة ومتاع
لبعض أفراد الناس وهم المقوون النازلون بالقرى وهي الأرض الخالية إذا نزلها
المسافر يمتع بالنار في منزله فأين هذا من أوصاف الأرض في القرآن
الحادي عشر أن الله تعالى وصف الأرض بالبركة في غير
موضع من كتابه خصوصا وأخبر أنه بارك فيها عموما فقال تعالى “ أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين “ إلى أن قال “
وبارك فيها وقدر فيها أقواتها “ فهذه بركة عامة
وأما البركة الخاصة ببعضها فكقوله تعالى “ ونجيناه ولوطا
إلى الأرض التي باركنا فيها “ وأما النار فلم يخبر انه جعل فيها بركة أصلا
بل المشهود أنها مذهبة للبركات ماحقة لها فأين المبارك في نفسه المبارك فيما وضع
فيه إلى مزيل البركة وما حقها
الثاني عشر أن الله تعالى جعل الأرض محل بيوته التي
يذكر فيها اسمه ويسبح له فيها بالغدو والآصال عموما وبيته الحرام الذي جعله قياما
للناس مباركا وهدى للعاملين خصوصا فلو لم يكن في الأرض إلا بيته الحرام لكفاها ذلك
شرفا وفخرا على النار
الثالث عشر أن الله تعالى أودع الأرض من المعادن
والأنهار والعيون والثمرات والحبوب والأقوات وأصناف الحيوانات وامتعتها والجبال
والرياض والمراكب البهية والصور البهيجة ما لم يودع في النار شيئا منه فأي روضة
وجدت في النار أو جنة أو معدن أو صورة أو عين خرارة أو نهر مطرد أو ثمرة لذيذة
الرابع عشر إن غاية النار أنها وضعت خادمة لما في
الأرض فالنار إنما محلها محل الخادم لهذه الأشياء فهي تابعة لها خادمة فقط إذا
استغنت عنها طردتها وأبعدتها عن قربها وإذا احتاجت إليها استدعتها استدعاء المخدوم
لخادمه
الخامس عشر أن اللعين لقصور نظره وضعف بصيرته رأى صورة
الطين ترابا ممتزجا بماء فاحتقره ولم يعلم أن الطين مركب من أصلين الماء الذي جعل
الله تعالى منه كل شيء حيا والتراب الذي جعله خزانة المنافع والنعم هذا ولم يجئ من
الطين من المنافع وأنواع الأمتعة فلو تجاوز نظره صورة الطين إلى مادته ونهايته
لرأى أنه خير من النار وأفضل ثم لو سلم بطريق الفرض الباطل إن النار خير من الطين
لم يلزم من ذلك أن يكون المخلوق منها خيرا من الطين فإن القادر على كل شيء يخلق من
المادة المفضولة من هو خير ممن خلقه من المادة الفاضلة فالاعتبار بكمال النهاية لا
بنقص المادة فاللعين لم يتجاوز نظره محل المادة ولم يعبر منها إلى كمال الصورة
ونهاية الخلقة والله أعلم
قال الله تعالى “ قل أعوذ برب
الناس ملك الناس “ السورة بكمالها هذه السورة مشتملة على الاستعاذة من الشر
الذي هو سبب الذنوب والمعاصي كلها وهو منشأ العقوبات في الدنيا والآخرة فسورة
الفلق تضمنت الاستعاذة من الشر الذي هو ظلم الغير له بالسحر والحسد وهو شر من خارج
وسورة الناس تضمنت الاستعاذة من الشر الذي هو سبب ظلم العبد نفسه فهو شر من داخل
فالشر الأول لا يدخل تحت التكليف ولا يطلب منه الكف عنه لأنه ليس من كسبه والشر
الثاني يدخل تحت التكليف ويتعلق به النهي والوسواس فعلال من وسوس وأصل الوسوسة
الحركة والصوت الخفي الذي لا يحس فيحترز منه فالوسواس الإلقاء الخفي في النفس ولما
كانت الوسوسة كلاما يكرره الموسوس ويؤكده عند من يلقيه إليه كرر لفظها بازاء تكرير
معناها واختلف النحاة في لفظ الوسواس هل هو وصف أو مصدر على قولين وأما الخناس
ففعال من خنس يخنس إذا توارى واختفى ومنه قول أبي هريرة فانخنست منه وحقيقة اللفظ
اختفاء بعد ظهور فليست لمجرد الاختفاء ولهذا وصف بها الكواكب وقوله “ يوسوس في
صدور الناس “ صفة ثالثة للشيطان فذكر وسوسته أولا ثم ذكر محلها ثانيا في صدور
الناس وتأمل حكم القرآن وجلالته كيف أوقع الاستعاذة من شر الشيطان الموصوف بأنه “
الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس “
ولم يقل من شر وسوسته لنعم الاستعاذة شره جميعه فإن
قوله “ من شر الوسواس “ نعم كل شره ووصفه بأعظم صفاته وأشدها شرا وأقواها تأثيرا
وأعمها فسادا وتأمل السر في قوله “ يوسوس في صدور الناس “
ولم يقل في قلوبهم والصدور هي ساحة القلب وبيته فمنه تدخل الواردات عليه فتجتمع في
الصدر ثم تلج في القلب فهو بمنزلة الدهليز ومن القلب تخرج الأوامر والإرادات إلى
الصدر ثم تتفرق على الجنود ومن فهم هذا فهم قوله تعالى “ وليبتلي
الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم “ فالشيطان يدخل إلى ساحة القلب
وبيته فيلقى ما يريد إلقاءه إلى القلب فهو يوسوس في الصدر وسوسته واصلة إلى القلب
ولهذا قال تعالى “ فوسوس إليه الشيطان “ ولم يقل
فيه والله أعلم وقال القاضي أبو يعلى “ الوسواس “
يحتمل أن يفعل كلاما خفيا يدركه القلب ويمكن أن يكون هو الذي يقع عند الفكر ويكون
منه مس وسلوك وذهول في أجزاء الإنسان ويتحفظه وهذا ظاهر كلام أحمد في رواية بكر بن
محمد هو يتكلم على لسانه خلافا لبعض المتكلمين في إنكارهم سلوك الشيطان في أجسام
الإنس وزعموا انه لا يجوز وجود روحين في جسد فإن قيل كيف يصح سلوكه في الإنسان
وتحفظه له وهو من نار ومعلوم أن النار تحرق الآدمي قيل النار لا تحرق بطبعها وإنما
يحدث الله تعالى فيها الإحراق حالا فحالا فيجوز أن لا يحدث فيها الإحراق في حال
سلوكه فإن قيل يحمل قوله عليه الصلاة والسلام يجري من ابن آدم مجرى الدم يعني
وساوسه تجري منه هذا المجرى كما قال تعالى “ وأشربوا في
قلوبهم العجل “ معناه حبه قيل لو لم يدخل في جوف الإنسان لم يحس بوسوسة
لأنه لا يجوز أن يحس بكلام أو وسوسة خارجة من جسمه إلا بصوت يسمعه بإذنه وليس
للشيطان صوت يسمع فهو بمثابة حديث النفس فإن قيل فيقولون للشيطان سبيل إلى تخبيط
الإنسي كما له سبيل إلى سلوكه ووسوسته وإنما يراه من الصرع والتخبط والاضطراب من
فعل الشيطان قيل لا نقول ذلك لما بينا من قبل استحالة فعل الفاعل في غير محل قدرته
بل ذلك من فعل الله تعالى معه يجري العادة فإن كان المجنون قادرا على ذلك كان كسبا
له وإن لم يكن قادرا كان مضطرا.
فصل قال ابن عقيل فإن قال لك قائل كيف الوسوسة من
إبليس وكيف وصوله إلى القلب قل هو كلام على ما قيل تميل إليه النفوس والطبع وقد
قيل يدخل في جسد ابن آدم لأنه جسم لطيف ويوسوس وهو أنه يحدث النفس بالأفكار الردية
قال تعالى “ يوسوس في صدور الناس “ فإن قالوا فهذا
لا يصح لأن القسمين باطلان أما حديثه فلو كان موجودا لسمع بالآذان وأما دخوله في
الأجسام فالأجسام لا تتداخل ولأنه نار فكان يجب أن يحترق الإنسان قيل أما حديثه
فيجوز أن يكون شيئا تميل إليه النفس كالساحر الذي يتوخى النفث إلى المسحور وإن لم
يكن صوتا وأما قوله لو أنه دخل فيه لتداخلت الأجسام ولاحترق الإنسان فغلط لأن الجن
ليسوا بنار محرقة وإنما هم خلقوا من نار في الأصل وأما قولك إن الأجسام لا تتداخل
فالجسم اللطيف يجوز أن يدخل إلى مخارق الجسم الكثيف كالروح عندكم أو الهواء الداخل
في سائر الأجسام والجن جسم لطيف
فصل وقوله “ من الجنة والناس
“ اختلف الناس في هذا الجار والمجرور بماذا يتعلق فقال الفراء وجماعة هو بيان للناس
الموسوس في صدورهم والمعنى “ يوسوس في صدور الناس
“ الذين هم من الجن والإنس أي الموسوس في صدورهم قسمان إنس وجن فالوسواس يوسوس
للجني كما يوسوس للإنسي وهذا ضعيف جدا لوجوه
أحدها أنه لم يقم دليل على أن الجن يوسوس في صدر الجني
ويدخل فيه كما يدخل في الإنسي ويجري منه مجراه من الإنسي فأي دليل يدل على هذا حتى
يصح حمل الآية عليه
الثاني أنه فاسد من جهة اللفظ أيضا فإنه قال الذي
يوسوس في صدور الناس فكيف يبين الناس بالناس أفيجوز أن يقال في صدور الناس الذين
هم من الناس وغيرهم هذا مالا يجوز ولا هو استعمال فصيح
الثالث أن يكون قد قسم الناس إلى قسمين جنة وناس وهذا
غير صحيح فإن الشيء لا يكون قسيم نفسه
الرابع أن الجنة لا يطلق عليهم اسم ناس بوجه لا أصلا
ولا اشتقاقا ولا استعمالا ولفظهما يأبى ذلك فإن قيل لا محذور في ذلك فقد أطلق على
الجن اسم الرجال كما في قوله تعالى “ وأنه كان رجال من
الإنس يعوذون برجال من الجن “ فإذا أطلق عليهم اسم الرجال لم يمتنع أن يطلق
عليهم اسم الناس
قلت هذا هو الذي غر من قال إن الناس اسم للجن والإنس
في هذه الآية وجواب ذلك ان اسم الرجال إنما وقع عليهم وقوعا مقيدا في مقابلة ذكر
الرجال من الإنس ولا يلزم من هذه أن يقع اسم الناس والرجال عليهم مطلقا وأنت إذا
قلت إنسان من حجارة أو رجل من خشب ونحو ذلك لم يلزم من ذلك وقوع الرجل والإنسان
عند الإطلاق على الحجر والخشب وأيضا فلا يلزم من إطلاق اسم الرجل على الجني أن
يطلق عليه اسم الناس والآيات أبين حجة عليهم في أن الجن لا يدخلون في لفظ الناس
لأنه قابل بين الجنة والناس فعلم أن احدهما لا يدخل في الآخر والصواب والله أعلم
أن قوله “ من الجنة والناس “ بيان للذي يوسوس
وأنهم نوعان إنس وجن فالجني يوسوس في صدر الإنسي والإنسي أيضا يوسوس إلى الإنسي
فالموسوس نوعان إنس وجن والموسوس إليه نوع واحد وهو الإنس وقد قدمنا أن الوسوسة هي
الإلقاء الخفي في القلب وهذا يشترك بين الجن والإنس وعلى هذا فتزول تلك الإشكالات
وتدل الآية على الاستعاذة من شر نوعي الشيطان شياطين الإنس والجن وعلى القول الأول
يكون الاستعاذة من شر شيطان الجن فقط وقد دل القرآن على أن من الإنس شياطين
كشياطين الجن كقوله تعالى “ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا
شياطين الإنس والجن “
فصل قال أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان
السجستاني حدثنا اسحاق بن إبراهيم بن زيد حدثنا أبو داود حدثنا فرج عن معاوية ابن
أبي طلحة قال كان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -
اللهم أعمر قلبي من وساوس ذكرك واطرد عني وساوس الشيطان حدثنا محمد ابن عبد الملك
حدثنا يزيد أنا روح بن المسيب حدثنا عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس في
قوله تعالى “ الوسواس الخناس “ قال مثل الشيطان
كمثل ابن عرس واضع فمه على فم القلب يوسوس إليه فإذا ذكر الله خنس وإن سكت عاد
إليه فهو الوسواس الخناس
حدثنا اسحاق بن إبراهيم حدثنا داود حدثنا فرج عن عروة
ابن رويم أن عيسى ابن مريم دعا ربه أن يريه موضع الشيطان من ابن آدم قال فخلاله
فإذا برأسه مثل الحية واضع رأسه على ثمرة القلب فإذا ذكر العبد الله خنس برأسه
وإذا ترك الذكر مناه وحدثه قال الله تعالى “ من شر
الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس “
وحكى أبو القاسم السهيلي عن ميمون بن مهران عن عمر بن
عبد العزيز أن رجلا سأل ربه أن يريه موضع الشيطان منه فأرى جسدا ممهى يرى داخله من
خارجه والشيطان في صورة ضفدع عند نغض كتفه حذاء قلبه له خرطوم كخرطوم البعوضة وقد
أدخله إلى قلبه يوسوس فإذا ذكر الله العبد خنس قال الزمخشري قوله ممهى قلب مموه
مجعول ماء في ر قته وشفيفه وقيل مصفى أشبه المها وهو البلور قال السهيلي وضع خاتم
النبي - صلى الله عليه وسلم - عند نغض كتفه لأنه
معصوم من وسوسة الشيطان وذلك الموضع منه يوسوس الشيطان لابن آدم
وقال ابن أبي الدنيا حدثنا محمد بن الحارث المقري
حدثنا سيار ابن حاتم حدثنا جعفر بن سليمان حدثنا عمرو بن مالك البكري سمعت أبا
الجوزاء يقول والذي نفسي بيده أن الشيطان لازم بالقلب ما يستطيع صاحبه يذكر الله
تعالى أما ترونهم في مجالسهم وأسواقهم يأتى على أحدهم
عامة يومه لا يذكر الله تعالى إلا حالفا ماله من القلب
طرد إلا قوله لا إله إلا الله ثم قرأ “ وإذا ذكرت ربك في
القرآن وحده ولوا على أدبارهم “ قال الزمخشري كانت الصحابة رضي الله عنهم
تقول إن الشياطين ليجتمعون على القلب كما يجتمع الذباب فإن لم يذب وقع الفساد.
قال ابن أبي الدنيا وحدثني الحسين بن السكن حدثنا معلى
بن أسد حدثنا عدي بن أبي عمارة حدثنا زياد النميري عن أنس بن مالك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إن الشيطان واضع خطمه على
قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس وإن نسي الله التقم قلبه حدثنا أبو بكر بن منصور
حدثنا ابن عفير حدثني ابن لهيعة عن أبي قبيل أنه سمع حيوة بن شراحيل من بني سريع
يقول سمعت عبد الله بن عمرو يقول إن إبليس موثوق فإذا تحرك فكل شر يكون بين اثنين
فصاعدا على وجه الأرض فمن تحريكه ورواه أحمد بن عبد الله الحافظ عن إبراهيم بن عبد
الله حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا قتيبة بن سعيد عن ابن لهيعة قال موثق بالأرض
السفلى وقال ابن أبي الدنيا حدثنا أبو سلمة المخزومي حدثنا ابن أبي فديك عن الضحاك
ابن عثمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إن الشيطان يأتي أحدكم
فيقول من خلقك فيقول الله تبارك وتعالى فيقول من خلق الله فإذا وجد أحدكم ذلك
فليقل آمنت بالله ورسوله فإن ذلك يذهب عنه.
وقال أبو بكر عبد الله بن أبي الدنيا السجستاني حدثنا
سهل بن محمد ابو حاتم السجستاني حدثنا الأصمعي حدثني جرير بن عبد الله عن أبيه قال
كنت أجد من الوسواس شيئا فسألت العلاء بن زياد فقال يا ابن أخي إنما مثل ذلك مثل
اللصوص يمرون بالبيت فإن كان فيه خير نالوه وإن لم يكن فيه خير طووا عنه حدثنا عبد
الله بن محمد بن خلاد حدثنا يزيد ابن هارون أنبأنا محمد بن الفضل عن أبيه عن عطاء
عن ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
تعوذوا بالله من وسوسة الوضوء
وروى الترمذي من حديث أبي بن كعب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إن للوضوء شيطانا يقال له
الولهان فاتقوا وسواس الماء وروى ابن أبي الدنيا بسنده إلى الحسن قال شيطان الوضوء
يدعى الولهان يضحك بالناس في الوضوء وكان طاووس يقول هو أشد الشياطين وروى ابو
داود والترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن مغفل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لا يبولن أحدكم في مستحمه
فإن عامة الوسواس منه وقال ابن أبي داود حدثنا أحمد بن يحيى بن مالك حدثنا عبد
الوهاب عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن ابي الحسن قال كنا نحدث ان الوسواس يعتري منه
أو قال يهيج منه قال سعيد ولا أرى بأسا أن يبول عن متعبة وروى مسلم من حديث عثمان
بن أبي العاص قال قلت يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وبين قراءتي
فلبسها على فقال - صلى الله عليه وسلم - ذاك
الشيطان يقال له خنزب فإذا احسست به فتعوذ بالله منه وأتفل عن يسارك ثلاثا قال
ففعلت ذلك فأذهبه الله عني وروى مسلم من حديث قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن إبليس قد يئس أن يعبده
المصلون ولكن في التحريش بينهم وفي لفظ قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب
ورواه أحمد في مسنده من طريق ماعز التميمي وأبي الزبير عن جابر وقال احمد حدثنا
وكيع حدثنا الأعمش عن خيثمة عن الحارث بن قيس قال إذا أتاك الشيطان وأنت تصلي فقال
أنت ترائي فزدها طولا وقال سعيد بن داود حدثنا مخلد بن الحسين قال ما ندب الله
تعالى العباد إلى شيء إلا اعترض إبليس بأمرين ما يبالي بأيهما ظفر إما غلو فيه
وإما تقصير عنه وقال ابن أبي داود حدثنا عمر بن شبة حدثني هارون بن عبد الله حدثني
ابن أبي حازم عن أبيه قال أتاه رجل فقال يا أبا حازم إن الشيطان يأتيني فيوسوس إلى
وأشده عندي أنه يأتيني فيقول إنك طلقت امرأتك فقال له أبو حازم أو لم تأتني
فتطلقها عندي قال والله ما طلقتها عندك قط قال فاحلف للشيطان كما حلفت لي والله
تعالى أعلم
قال ابن أبي داود حدثنا هارون بن سليمان حدثنا أبو
عامر حدثنا كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنظب أن عمر بن الخطاب ذكر امرأة
في نفسه ولم يبح بها لأحد فأتاه رجل فقال ذكرت فلانة إنها لحسنة شريفة في بيت صدق
قال من حدثك بهذا قال الناس يتحدثون به قال فوالله ما بحت به لأحد فمن أين ثم قال
بلى قد عرفت خرج به الخناس حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا المستمر ابن
الريان عن ابي الجوزاء قال طلقت امرأتي يوم الجمعة وحدثت نفسي أن اراجعها يوم
الجمعة الأخرى ولم أخبر بذلك أحدا فقالت امرأتي أنت تريد أن تراجعني فقلت إن هذا
لشيء ما حدثت به أحدا حتى ذكرت قول ابن عباس إن وسواس الرجل يخبر وسواس الرجل فمن
ثم يفشو الحديث حدثني أبي بإسناد ذكره أن الحجاج بن يوسف أتى برجل رمي بالسحر فقال
أساحر أنت قال لا فأخذ الحجاج كفا من حصا فعده ثم قال له في يدي كم من الحصا قال
كذا وكذا فطرح الحجاج الحصا ثم أخذ كفا آخر ولم يعده ثم قال كم في يدي قال لا أدري
قال الحجاج كيف دريت الأول ولم تدر الثاني قال إن ذلك عرفته أنت فعرفه وسواسك
فأخبر وسواسك وسواسي وهذا لم تعرفه فلم يعرفه وسواسك فلم يخبر وسواسي فلم أعرفه ،
حدثنا محمد بن مصطفى حدثنا عثمان بن عبد الرحمن حدثنا ثابت ابن رمادة اللخمي عن
جده عن معاوية بن أبي سفيان أنه أمر كاتبه أن يكتب كتابا في السر فبينما هو يكتب
إذ وقع ذباب على حرف من الكتاب فضربه الكاتب بالقلم فانقطع بعض قوائمه فخرج الكاتب
فاستقبله الناس على باب القصر فقالوا كتب أمير المؤمنين بكذا وكذا قال وما علمكم
قالوا حبشي أقطع خرج علينا فأخبرنا فرجع الكاتب إلى معاوية فقال يا أمير المؤمنين
الذي أمرتني ان أكتبه سرا استقبلني به الناس قال وما علمهم قال ذكروا لي حبشيا
أقطع خرج عليهم فأخبرهم قال هو والذي نفسي بيده الشيطان هو الذباب الذي ضربت
بالقلم
قال أحمد حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا أبو عقيل عبد
الله السقفي حدثنا موسى بن المسيب عن سالم بن أبي الجعد عن سبرة بن أبي فاكهة قالت
سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إن
الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه فقعد له بطريق الإسلام فقال أتسلم وتذر ذريتك ودين
آبائك قال فعصاه وأسلم قال وقعد له بطريق الهجرة فقال أتهاجر وتذر أرضك وسماك
وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطول فهاجر وعصاه ثم قعد له بطريق الجهاد وهو جهد
النفس والمال فقال تقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال قال فعصاه فجاهد قال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - لمن فعل ذلك منكم
كان حقا على الله أن يدخله الجنة وإن قتل كان حقا على الله أن يدخله الجنة وإن غرق
كان حقا على الله ان يدخله الجنة وإن رقصته دابته كان حقا على الله أن يدخله الجنة
وأما المراتب الست:
فالأولى مرتبة الكفر والشرك ومعادات الله تعالى ورسوله
فإذا ظفر بذلك من ابن آدم برد أنينه واستراح من تعبه معه هذا أول ما يريده من
العبد
المرتبة الثانية مرتبة البدعة وهي أحب اليه من الفسوق والمعاصي
لأن ضررها في الدين قال سفيان النوري البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأن المعصية
يتاب منها والبدعة لا يتاب منها فإذا عجز عن ذلك انتقل إلى
المرتبة الثالثه وهي الكبائر على اختلاف أنواعها فإذا
عجز عن ذلك
المرتبة الرابعة وهي الصغائر التي إذا اجتمعت ربما
أهلكت صاحبها كما قال - صلى الله عليه وسلم -
إياكم ومحقرات الذنوب فإن مثل ذلك مثل قوم نزلوا بفلاة من الارض فجاء كل واحد بعود
حطب حتى أوقدوا نارا عظيمة فطبخوا واشتووا فإذا عجز عن ذلك انتقل إلى
المرتبة الخامسة وهي اشتغاله بالمباحات التي لا ثواب
فيها ولا عقاب بل عقابها فوات الثواب الذي فات عليه باشتغاله بها فإن عجز عن ذلك
نقله إلى المرتبة السادسة وهو أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه ليستريح
عليه الفضلة ويفوته ثواب العمل الفاضل فنعوذ بالله من الشيطان وحزبه
قال أبو بكر بن عبيد حدثنا احمد بن جميل المروزي حدثنا
عبد الله بن المبارك أنبأنا سفيان عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن
أبي موسى الأشعري قال إذا أصبح إبليس بث جنوده فيقول من أضل مسلما ألبسته التاج
قال فيقول له القائل لم أزل بفلان حتى طلق امرأته قال يوشك أن يتزوج ويقول الآخر
لم أزل بفلان حتى عق قال يوشك أن يبر قال فيقول القائل لم أزل بفلان حتى شرب قال
أنت قال ويقول الآخر لم أزل بفلان حتى زنى فيقول انت ويقول الآخر لم يزل بفلان حتى
قتل فيقول انت أنت
وقد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إن عرش إبليس على البحر
فيبعث سراياه فيفتنون بين الناس فأعظم فتنة يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول
ما صنعت شيئا ثم يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما تركته حتى فرقت بينه
وبين امرأته فيدنيه منه ويقول نعم أنت ورواه أحمد في مسنده بنحوه قولهم نعم أنت
يروي بفتح النون بمعنى نعم أنت ذاك الذي تستحق الأكرام وبكسرها أي نعم منك وقد
استدل به بعض النحاة على جواز كون فاعل فعل نعم مضمرا وهو قليل
واختار شيخنا أبو الحجاج الحافظ المزي الأول ورجحه
ووجهه بما ذكرنا وقال الطرطوشي في كتاب تحريم الفواحش حدثنا يزيد ابن عبد الله
الأصبهاني حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا عبد الرحمن بن واقد حدثنا شجاع بن أبي نصر عن
رجل من عليلة أهل الشام قال قال سليمان ابن داود لعفريت من الجن ويلك أين إبليس
قال يا نبي الله هل أمرت فيه بشي قال لا أين هو قال انطلق يا نبي الله حتى أريكه
فسعى العفريت بين يديه ومعه سليمان حتى هجم به على البحر فإذا إبليس على بساط على
الماء فلما رأى سليمان عليه السلام ذعر منه وفرق فقام فتلقاه فقال يا نبي الله هل
أمرت في بشيء قال لا ولكن جئت لأسألك عن أحب الأشياء إليك وأبغضها إلى الله عز وجل
فقال أما والله لولا ممشاك إلى ما أخبرتك به ليس شيء أبغض إلى الله تعالى من أن
يأتي الرجل الرجل والمرأة المرأة والله تعالى أعلم