قال ابن أبي الدنيا حدثني محمد بن الحسين حدثنا عبد
الرحمن ابن عمر والباهلي سمعت السري بن اسماعيل يذكر عن يزيد الرقاشي أن صفوان بن
محرز المازني كان إذا قام إلى تهجده من الليل قام معه سكان داره من الجن فصلوا
بصلاته واستمعوا لقراءته ، قال السري فقلت ليزيد وأنى علم قاله كان إذا قام سمع
لهم ضجة فاستوحش لذلك فنودي لا تفزع يا عبد الله فإنا نحن إخوانك نقوم بقيامك
للتهجد فنصلي بصلاتك قال فكأنه أنس بعد ذلك إلى حركتهم ، حدثني الحسين بن علي العجلي حدثنا أبو أسامة
عن الأجلح عن أبي الزبير قال بينا عبد الله بن صفوان قريبا من البيت إذ أقبلت حية
من باب العراق حتى طافت بالبيت سبعا ثم أتت الحجر فاستلمته فنظر إليها عبد الله بن
صفوان فقال أيها الجان قد قضيت عمرتك وإنا نخاف عليك بعض صبياننا فانصرفي فخرجت
راجعة من حيث جاءت
وروى سفيان الثورى عن عكرمة عن ابن عباس قال خرج رجل
من خيبر فتبعه رجلان وأخر يتلوهما يقول ارجا حتى أدركهما فردهما ثم لحق الرجل فقال
إن هذين شيطانان وشيطانان وإنى لم إزل بهما حتى رددتهما عنك فإذا اتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاقرئه السلام وأخبره أنا في
جمع صدقاتنا ولو كانت تصلح له لبعثنا بها إليه فلما قدم الرجل المدينة أتى رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره قال فنهى
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك عن
الخلوة والله أعلم
اختلف العلماء فى الجن هل لهم ثواب على قولين فقيل لا
ثواب لهم إلا النجاة من النار ثم يقول لهم كونوا ترابا مثل البهائم وهو قول أبي
حنيفة حكاه ابن حزم وغيره عنه قال ابن ابي الدنيا حدثنا داود ابن عمر والضبي حدثنا
عفيف بن سالم عن سفيان الثورى عن ليث ابن أبي سليم قال ثواب الجن أن يجاروا من
النار ثم يقال لهم كونوا ترابا
قال أبو حفص بن شاهين فى كتاب العجائب والغرائب حدثنا
ابو القاسم البغوي حدثنا أبو الربيع الزهراني عن يعقوب العمى عن جعفر ابن ابي المغيرة
عن أبي الزناد قال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قال الله تعالى
لمؤمني الجن وسائر الأمم كونوا ترابا فحينئذ يقول الكافر “ يا ليتني كنت ترابا “ والقول الثاني إنهم يثابون على
الطاعة ويعاقبون على المعصية وهو قول ابن أبي ليلى ومالك وذكر ذلك مذهبا للأوزاعي
وأبي يوسف ومحمد ونقل على الشافعي وأحمد بن حنبل فقال نعم له ثواب وعليهم عقاب وهو
قول اصحابهما وأصحاب مالك وسئل ابن عباس هل لهم ثواب وعليهم عقاب فقال نعم لهم
ثواب وعليهم عقاب.
وقال ابن شاهين في غرائب السنن حدثنا عبد الله بن
سليمان حدثنا محمد بن صدقة الجيلاني حدثنا أبي حدثنا أبو حياة وهو شريح ابن يزيد
بن أرطأة بن المنذر قال سألت ضمرة بن حبيب بن صهيب الزبيدي هل للجن ثواب فقال نعم
قال أرطأة ثم نزع ضمرة بهذا الآية “ لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان “ وقال ابن أبي
حاتم في تفسيره حدثنا أبي حدثنا عيسى بن زياد ان يحيى بن الضريس قال سمعت يعقوب
قال قال ابن أبي ليلى لهم ثواب يعني للجن فوجدنا تصديق قوله في كتاب الله تعالى “ ولكل درجات مما عملوا “ وقال ابن الصلاح في بعض تعاليقه
حكى عن ابن عبد الحكم صاحبه محمد بن رمضان الزيات المالكي أنه سئل عن الجن هل لهم
جزاء في الآخرة على أعمالهم فقال نعم والقرآن يدل على ذلك قال الله تعالى “ ولكل درجات مما عملوا “ وقال أبو الشيخ حدثنا ابو الوليد
حدثنا هيثم عن حرملة قال سئل ابن وهب وانا اسمع هل للجن ثواب وعقاب قال ابن وهب
قال الله تعالى “ حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم
من الجن والإنس “ إلى قوله “ مما عملوا “
قال محمد بن رشد أبو الوليد القاضي في كتاب الجامعة للبيان والتحصيل قال اصبع
وسمعت ابن القاسم يقول للجن الثواب والعقاب وتلا قول الله تعالى “ وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا
وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا “
قال ابن رشد استدلال ابن القاسم على ما ذكر من أن للجن
الثواب والعقاب بما تلاه من قول الله تعالى استدلال صحيح بين لا إشكال فيه بل هو
نص على ذلك والقاسطون في هذه الآية الحائدون عن الهدى المشركون بدليل قوله تعالى “
وأنا منا المسلمون “ ففي الجن مسلمون ويهود ونصارى
ومجوس وعبدة أوثان قال بعض أهل التفسير في تفسير قوله تعالى “ وأنا منا الصالحون “ قال يريد المؤمنين ومنا دون ذلك
قال يريد غير المؤمنين وقوله تعالى “ كنا طرائق قددا
“ أي مختلفون في الكفر يهود ونصارى ومجوس وعبدة أوثان
وقال أبو الشيخ حدثنا جعفر بن أحمد بن فارس حدثنا حميد
حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي سفيان عن مغيث بن سمي قال ما خلق الله تعالى من شيء
إلا وهو يسمع زفير جهنم غدوة وعشية إلا الثقلين الذين عليهم الحساب والعقاب والله
أعلم
اتفق العلماء على أن كافر الجن معذب في الآخرة كما ذكر
الله تعالى في كتابه العزيز كقوله تعالى “ فالنار مثوى
لهم “ وقوله تعالى “ وأما القاسطون فكانوا لجهنم
حطبا “ والله أعلم
اختلف العلماء في مؤمني الجن هل يدخلون الجنة على
أربعة أقوال
احدها أنهم يدخلون الجنة وعليه جمهور العلماء وحكاه
ابن حزم في الملل عن أبن أبي ليلى وأبي يوسف وجمهور الناس قال وبه نقول ثم اختلف
القائلون بهذا القول إذا دخلوا الجنة هل يأكلون فيها ويشربون وساقه منذر بن سعد في
تفسيره فقال حدثنا علي بن الحسن حدثنا عبد الله ابن الوليد العدني عن جويبر عن
الضحاك فذكره
وقال ابن أبي الدنيا حدثنا أحمد بن بجير حدثنا عبد
الله بن ضرار ابن عمر وحدثنا أبي عن مجاهد أنه سئل عن الجن المؤمنين أيدخلون الجنة
قال يدخلونها ولكن لا يأكلون ولا يشربون يلهمون من التسبيح والتقديس ما يجده أهل
الجنة من لذة الطعام والشراب وذهب الحارث المحاسبي إلى أن الجن الذين يدخلون الجنة
يوم القيامة نراهم فيها ولا يروننا عكس ما كانوا عليه في الدنيا
القول الثاني أنهم لا يدخلونها بل يكونون في ربضها
يراهم الإنس من حيث لا يرونهم وهذا القول مأثور عن مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف
ومحمد حكاه ابن تيمية في جواب ابن مرى وهو خلاف ما حكاه ابن حزم عن أبي يوسف ،
وقال أبو الشيخ حدثنا الوليد بن الحسن بن أحمد بن الليث حدثنا اسماعيل بن مهرام
حدثنا المطلب بن زياد أظنه قال عن ليث بن أبي سليم قال مسلمو الجن لا يدخلون الجنة
ولا النار وذلك أن الله تعالى أخرج أباهم من الجنة فلا يعيده ولا يعيد بنيه.
القول الثالث أنهم على الأعراف وفيه حديث مسند سيأتي
ذكره إن شاء الله تعالى
القول الرابع الوقف واحتج أهل القول الأول بوجوه
أحدها العمومات كقوله تعالى “ وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد “ وقوله تعالى “ وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين “ وقوله - صلى الله عليه وسلم - من شهد أن لا إله إلا الله
خالصا دخل الجنة فكما أنهم يخاطبون بعمومات الوعيد بالإجماع فكذلك يكونون مخاطبين
بعمومات الوعد بطريق الأولى ومن أظهر حجة في ذلك قوله تعالى “ ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان “ إلى
آخر السورة والخطاب للجن والإنس فامتن عليهم سبحانه بجزاء الجنة ووصفها لهم وشوقهم
إليها فدل ذلك على أنهم ينالون ما امتن عليهم به إذا آمنوا وقد جاء في حديث أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه
لما تلا علهيم هذه السورة الجن كانوا أحسن ردا وجوابا منكم ما تلوت عليهم من آية
إلا قالوا ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب رواه الترمذي
الوجه الثاني ما استدل به ابن حزم من قوله “ أعدت
للمتقين “ وبقوله تعالى حاكيا عنهم ومصدقا لمن قال ذلك منهم “ وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به “ وقوله تعالى “ قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن “ وقوله تعالى “ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند
ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار “ إلى آخر السورة قال صفة تعم الجن
والإنس عموما لا يجوز البتة أن يخص منها أحد النوعين ومن المحال الممتنع أن يكون
الله تعالى يخبرنا بخبر عام وهو لا يريد إلا بعض ما أخبرنا به ثم لا يبين ذلك وهو
ضد البيان الذي ضمنه الله تعالى لنا فكيف وقد نص على أنهم من جملة المؤمنين الذين
يدخلون الجنة ولا بد.
الوجه الثالث روى منذر وابن أبي حاتم في تفسيريهما عن
مبشر ابن اسماعيل قال تذاكرنا عند ضمرة بن حبيب أيدخل الجن الجنة قال نعم وتصديق
ذ، لك في كتاب الله تعالى “ لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان
“ للجنيات والإنس للإنسيات قال الجمهور فدل على تأتي الطمث من الجن لأن طمث الحور
العين إنما يكون في الجنة.
الوجه الرابع قال أبو الشيخ حدثنا اسحاق بن أحمد حدثنا
عبد الله بن عمران حدثنا معاوية حدثنا عبد الواحد بن عبيد عن الضحاك عن ابن عباس
قال الخلق أربعة فخلق في الجنة كلهم وخلق في النار كلهم وخلقان في الجنة والنار
فأما الذي في الجنة كلهم فالملائكة وأما الذي في النار كلهم فالشياطين وأما الذين
في الجنة والنار فالإنس والجن لهم الثواب وعليهم العقاب.
الوجه الخامس إن العقل يقوى ذلك وإن لم يوجبه وذلك أن
الله تعالى قد أوعد من كفر منهم وعصى النار فكيف لا يدخل من أطاع منهم الجنة وهو سبحانه
وتعالى الحكم العدل الحليم الكريم فإن قيل قد أوعد الله تعالى من قال من الملائكة
إنه إله من دونه ومع هذا ليسوا في الجنة فالجواب من وجوه
أحدها أن المراد بذلك إبليس لعنه الله قال ابن جريج في
قوله تعالى “ ومن يقل منهم إني إله من دونه “ فلم
يقله إلا إبليس لعنه الله دعا إلى عبادة نفسه فنزلت هذه الآية فيه يعني إبليس لعنه
الله وقال قتادة هي خاصة بعدو الله إبليس لعنه الله لما قال ما قال لعنه الله
وحوله شيطانا رجيما قال “ فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي
الظالمين “ حكى ذلك عنهما الطبري.
الوجه الثاني أن ذلك وإن سلمنا إرادة العموم منه فهذا
لا يقع من الملائكة عليهم السلام بل هو شرط والشرط لا يلزم وقوعه وهو نظير قوله
تعالى “ لئن أشركت ليحبطن عملك “ والجن يوجد منهم
الكافر ويدخل النار.
الوجه الثالث أن الملائكة وإن كانوا لا يجازون بالجنة
إلا أنهم يجازون بنعيم يناسبهم على أصح قولى العلماء واحتج أهل القول الثاني بقوله
تعالى حكاية عن الجن أنهم قالوا لقومهم “ يا قومنا أجيبوا
داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم “ قالوا فلم
يذكر دخول الجنة فدل على أنهم لا يدخلونها لأن المقام مقام تبجح والجواب عن هذا من
وجوه
أحدها أنه لا يلزم من سكوتهم أو عدم علمهم بدخول الجنة
نقيه
الوجه الثاني إن الله أخبر أنهم ولوا إلى قومهم منذرين
فالمقام مقام إنذار لا مقام بشارة
الوجه الثالث أن هذه العبارة لا تقتضي نفي دخول الجنة
بدليل ما أخبر الله تعالى عن الرسل المتقدمة أنهم كانوا ينذرون قومهم العذاب ولا
يذكرون لهم دخول الجنة كما أخبر عن نوح عليه السلام في قوله تعالى “ إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم “ وهود عليه الصلاة
والسلام “ عذاب يوم عظيم “ وشعيب عليه الصلاة
السلام “ عذاب يوم عظيم “ وكذلك غيرهم وقد أجمع
المسلمون على أن مؤمنهم يدخل الجنة
الوجه الرابع إن ذلك يستلزم دخول الجنة لأن من غفر
ذنبه وأجير من عذاب الله تعالى وهو مكلف بشرائع الرسل فإنه يدخل الجنة وقد ورد في
القول الثالث حديث ساقه الحافظ أبو سعيد عن محمد
ابن عبد الرحمن الكنجرودي في أماليه فقال حدثنا أبو
الفضل نصر بن محمد العطار نا أحمد بن الحسين بن الأزهر بمصر حدثنا يوسف بن يزيد
القراطيسي حدثنا الوليد بن موسى حدثنا منبه عن عثمان عن عروة بن رويم عن الحسن عن
أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إن
مؤمني الجن لهم ثواب وعليهم عقاب فسألنا عن ثوابهم وعن مؤمنيهم فقال على الأعراف
وليسوا في الجنة فقالوا ما الاعراف قال حائط الجنة تجري منه الأنهار وتنبت فيه
الاشجار والثمار قال شيخنا الحافظ أبو عبدالله الذهبي تغمده الله تعالى برحمته هذا
منكر جدا والله تعالى أعلم
قد وقع في كلام ابن عبد السلام في القواعد الصغرى ما
يدل على أن مؤمني الجن إذا دخلوا الجنة لا يرون الله تعالى وأن الرؤية مخصوصة
بمؤمني البشر فإنه صرح بأن الملائكة لا يرون الله تعالى في الجنة ومقتضى هذا أن
الجن لا يرونه فإنه صرح قال وقد أحسن الله تعالى إلى النبيين والمرسلين وأفاضل
المؤمنين بالمعارف والأحوال والطاعات والإذعان ونعيم الجنان ورضا الرحمن والنظر
إلى الديان مع سماع تسليمه وكلامه وتبشيره بتأيد الرضوان ولم يثبت للملائكة مثل
ذلك ولا شك أن أجساد الملائكة أفضل من أجساد البشر وأما أرواحهم فإن كانت أعرف
بالله تعالى وأكمل أحوالا بأحوال البشر فهم أفضل من البشر وإن استوت الأرواح في
ذلك فقد فضلت الملائكة البشر بالأجساد فإن اجسادهم من نور وأجساد البشر من لحم ودم
وفضل البشر الملائكة بما ذكرناه من نعيم الجنان وقرب الديان ورضاه وتسليمه وتقريبه
والنظر إلى وجهه الكريم وإن فضلهم البشر في المعارف والأحوال والطاعات كانوا بذلك
أفضل منهم وبما ذكرناه مما وعدوا به في الجنان ولا شك أن للبشر طاعات لم يثبت
مثلها للملائكة كالجهاد والصبر ومجاهدة الهوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وتبليغ الرسالات والصبر على البلايا والمحن والرزايا ومشاق العبادات لأجل الله
تعالى وقد ثبت أنهم يرون ربهم ويسلم عليهم ويبشرهم بإحلال رضوانه عليهم أبدا ولم
يثبت مثل هذا للملائكة عليهم الصلاة والسلام وإن كان الملائكة يسبحون الليل
والنهار لا يفترون فرب عمل يسير أفضل من تسبيح كثير وكم من نائم أفضل من قائم وقد
قال تعالى “ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير
البرية “ أي خير الخليقة والملائكة من الخليقة لا يقال الملائكة من الذين
آمنوا وعملوا الصالحات لان هذا اللفظ مخصوص بمن آمن من البشر في عرف الشرع فلا
تندرج فيه الملائكة لعرف الاستعمال فإن قيل الملائكة يرون ربهم كما تراه الأبرار
قلت يمنع منه عموم عمومه في الملائكة الأبرار انتهى ما ذكره قلت والبشر اسم لبني
آدم وكنية آدم عليه الصلاة والسلام أبو البشر كذا جاء مصرحا به في حديث الشفاعة في
الصحيح قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فيأتون آدم فيقولون يا آدم أنت أبو ا لبشر فإذا استثنى المؤمنون من عموم قوله
تعالى “ لا تدركه الأبصار “ وبقي على عمومه في
الملائكة على ما قرره ابن عبد السلام فحينئذ يبقى على عمومه في الجن والله أعلم
نقل ابن أبي الصيرفي الحراني الحنبلي في فوائده عن
شيخه أبي البقاء العكبري الحنبلي أنه سئل عن الجن هل تصح الصلاة خلفه فقال نعم
لأنهم مكلفون والنبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل
إليهم والله أعلم
قال الإمام أحمد حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا
أبي عن ابن اسحاق حدثني أبو عميس عتبة بن عبد الله بن عتبة عن أبي فزارة عن أبي
زيد مولى عمرو بن حريث المخزومي عن عبد الله بن مسعود قال بينا نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة وهو في نفر من اصحابه اذ
قال ليقم منكم معي رجلان ولا يقومن معي رجل في قلبه من الغش مثقال ذرة قال فقمت
معه واخذت إداوة ولا أحسبها الا ماء فخرجت مع رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كنا بأعلى مكة رأيت أسودة مجتمعة قال فخط لي
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطا ثم قال قم
ههنا حتى آتيك قال فقمت ومضى رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - إليهم فرأيتهم يثورون إليه قال فسمر معهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلا طويلا حتى جاءني مع الفجر
فقال ما زلت قائما يا ابن مسعود قال فقلت يا رسول الله أو لم تقل قم حتى آتيك قال
ثم قال لي هل معك من وضوء قال فقلت نعم ففتحت الإداوة فإذا هو نبيذ فقال رسول الله
ثمرة طيبة وماء طهور ثم قال توضأ منها فلما قام يصلي أدركه شخصان منهم فقالا له يا
رسول الله إنا نحب أن تؤمنا في صلاتنا قال فصفهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلفه ثم صلى بنا ثم انصرف قلت
له من هؤلاء يا رسول الله قال هؤلاء جن نصيبين جاءوني يختصمون إلي في أمور كانت
بينهم وقد سألوني الزاد فزودتهم قال فقلت وهل هناك يا رسول الله من شيء تزودهم
إياه قال فزودتهم الرجعة وما وجدوا من روث وجدوه شعيرا وما وجدوا من عظم وجدوه
كاسيا قال وعند ذلك نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- أن يستطاب بالروث والعظم.
وقال أحمد حدثنا عبد الرزاق أنبأنا سفيان عن أبي فزارة
حدثنا أبو زيد عن ابن مسعود قال لما كان ليلة الجن تخلف منهم رجلان وقالا نشهد
الفجر معك يا رسول الله فقال لي النبي - صلى الله عليه
وسلم - أمعك ماء قلت ليس معي ماء ولكن معي إداوة فيها نبيذ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ثمرة طيبة وماء طهور فتوضأ وفي
رواية عبد الرزاق عن قيس بن الربيع عن أبي فزارة عن أبي زيد عن ابن مسعود فساق
حديث الخط وقال في آخره ثمرة طيبة وماء طهور فتوضأ واقام الصلاة فلما قضى الصلاة
قام إليه رجلان من الجن فسألاه المتاع فقال ألم آمر لكما ولقومكما بما يصلحكم
قالوا بلى ولكن أحببنا ان يشهد بعضنا معك الصلاة فقال ممن أنتما قال لا من أهل
نصيبين فقال أفلح هذان وأفلح قومهما وأمر لهما بالروث والعظام طعاما ولحما ونهى ان
يستنجى بعظم أو روثة ، ورواه الثوري وإسرائيل وشريك والجراح بن مليح وأبو عميس
كلهم عن أبي فزارة وقال أبو الفتح اليعمري وغير طريق أبي فزارة عن أبي زيد لهذا
الحديث أقوى منها للجهالة الواقعة في أبي زيد ولكن أصل الحديث مشهور عن ابن مسعود
من طرق حسان متضافرة يشد بعضها بعضا ويشهد بعضها لبعض ولم تنفرد طريق أبي زيد إلا
فيها من التوضوء بنبيذ التمر وليس ذلك مقصودا الآن
وروى سفيان الثوري في تفسيره عن إسماعيل البجلي عن
سعيد ابن جبير قال تعالى “ وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا “ قال قالت
الجن للنبي - صلى الله عليه وسلم - كيف لنا
بمسجدك أن نشهد الصلاة معك ونحن ناءون عنك فنزلت “ وأن
المساجد لله “ وذكر ابن الصيرفي في نوادره انعقاد الجماعة بالجن والله
تعالى أعلم
اختلفت الرواية عن أحمد بن حنبل فيما اذا مر جني بين
يدي المصلى هل يقطع عليه صلاته ويستأنفها فروى عنه أنه يقطعها لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه وسلم حكم بقطع الصلاة
بمرور الكلب الأسود فقيل له ما بال الأحمر من الأبيض من الأسود فقال الكلب الأسود
شيطان الكلاب والجن تتصور بصورته كما تقدم والرواية الثانية لا يقطعها وهاتان
الروايتان حكاهما ابن حامد وغيره وقول النبي - صلى الله
عليه وسلم - إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة ليقطع على الصلاة يحتمل أن
يكون قطعها بمروره بين يديه ويحتمل أن يكون قطعها بأن يصدر من العفريت أفعال يحتاج
إلى دفعها بأفعال تكون منافية للصلاة فتقطعها تلك الأفعال.
قال أبو الشيخ حدثنا أبو الطيب أحمد بن روح حدثنا محمد
ابن عبد الله بن يزيد مولى قريش حدثنا عثمان بن عمر عن عبيد الله ابن أبي يزيد عن
ابن أبي مليكة أن جانا كان لا يزال يطلع على عائشة رضي الله عنها فأمرت به فقتل
فأتيت في المنام فقيل قتلت عبد الله المسلم فقالت لو كان مسلما لم يطلع على أزواج
النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل لها ما كان
يطلع حتى تجمعي عليك ثيابك وما كان يجئ إلا ليستمع القرآن فلما أصبحت أمرت باثني
عشر ألف درهم ففرقت في المساكين ورواه أبو بكر بن ابي شيبة في مصنفه فقال حدثنا
عبد الله بن بكر السهمي عن جابر بن أبي مغيرة عن ابن أبي مليكة عن عائشة بنت صالحة
عن عائشة رضي الله عنها نحوه وقال أبو بكر عبد الله بن محمد أخبرني أبي أنبأنا
محمد بن جعفر حدثنا مسلم عن سعيد عن حبيب قال رأت عائشة رضي الله عنها حية في
بيتها فأمرت بقتلها فقتلت فأتيت في تلك الليلة فقيل لها إنها من النفر الذين
استمعوا الوحي من النبي - صلى الله عليه وسلم -
فأرسلت إلى اليمن فابتيع لها أربعون رأسا فأعتقتهم.
فصل روى الترمذي والنسائي في اليوم والليلة من حديث
صيفي مولى ابي السائب عن أبي سعيد رفعه أن بالمدينة نفرا من الجن قد اسلموا فإذا
رأيتم من هذه الهوام شيئا فآذنوه ثلاثا فإن بدا لكم فاقتلوه ، وثبت في صحيح مسلم
من حديث أبي السائب مولى هشام بن زهرة عن أبي سعيد كان فتى منا حديث عهد بعرس
فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فكان ذلك الفتى يستأذن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - بإنصاف النهار فيرجع
إلى أهله فاستأذنه يوما فقال له خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك قريظة فأخذ الرجل
سلاحه ثم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة فأهوى إليها بالرمح لكي يطعنها
فأصابته غيرة فقالت له اكفف عليك رمحك وادخل البيت حتى تنظر ما الذي اخرجني فدخل
فإذا بحية عظيمة منصوبة على الفراش فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ثم خرج فركزه
في الدار فاضطربت عليه فما ندرى أيهما كان أسرع موتا الحية أم الفتى ، قال الشيخ
أبو العباس قتل الجن بغير حق لا يجوز كما لا يجوز قتل الإنس بلا حق والظلم محرم في
كل حال فلا يحل لأحد أن يظلم أحدا ولو كافرا قال تعالى “ ولا
يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى “ والجن يتصورون في
صور شتى فإذا كانت حيات البيوت قد تكون جنيا فتؤذن ثلاثا فإن ذهبت فيها وإلا قتلت
فإنها إن كانت حية أصلية فقد قتلت وإن كانت جنية فقد اصرت على العدوان بظهورها للإنس
في صورة حية تفزعهم بذلك والعادي هو الصائل الذي يجوز دفعه بما يدفع ضرره ولو كان
قتلا فأما قتلهم بدون سبب يبيح ذلك فلا يجوز والله تعالى أعلم
قد قدمنا مناكحة الجن فيما بينهم وهذا الباب في بيان المناكحة
بين الإنس والجن والكلام هنا في مقامين
أحدهما في بيان إمكان ذلك ووقوعه.
والثاني في بيان مشروعيته أما الأول فنقول نكاح الإنسي
الجنية وعكسه ممكن قال الثعالبي زعموا أن التناكح والتلاقح قد يقعان بين الإنس
والجن قال الله تعالى “ وشاركهم في الأموال والأولاد
“ وقال - صلى الله عليه وسلم - إذا جامع الرجل
امرأته ولم يسم انطوى الشيطان إلى أحليله فجامع معه ، وقال ابن عباس إذا أتى الرجل
امرأته وهي حائض سبقه الشيطان إليها فحملت فجاءت بالمخنث فالمؤنثون أولاد الجن
رواه الحافظ ابن جرير ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم -
عن نكاح الجن وقول الفقهاء لا تجوز المناكحة بين الإنس والجن وكراهة من كرهه من
التابعين دليل على إمكانه لأن غير الممكن لا يحكم عليه بجواز ولا بعدمه في الشرع
فإن قيل الجن من عنصر النار والإنسان من العناصر الأربعة وعليه فعنصر النار يمنع
من أن تكون النطفة الإنسانية في رحم الجنية لما فيها من الرطوبة فتضمحل ثمة لشدة
الحرارة النيرانية ولو كان ذلك ممكنا لكان ظهر أثره في حل النكاح بينهم وهذا
السؤال هو الذي أورد على المسألة الباعثة على تأليف هذا الكتاب والجواب من وجوه
الأول أنهم وإن خلقوا من نار فليسوا بباقين على عنصرهم
النارى بل قد استحالوا عنه بالأكل والشرب والتوالد والتناسل كما استحال بنو آدم عن
عنصرهم الترابي بذلك على أنا نقول إن الذي خلق من نار هو أبو الجن كما خلق آدم ابو
الإنس من تراب واما كل واحد من الجن غير أبيهم فليس مخلوقا من النار كما أن كل
واحد من بني آدم ليس مخلوقا من تراب وقد أخبر النبي -
صلى الله عليه وسلم - أنه وجد برد لسان الشيطان الذي عرض له في صلاته على
يده لما خنقه وفي رواية قال النبي - صلى الله عليه وسلم
- فما زلت أخنقه حتى برد لعابه فبرد لسان الشيطان ولعابه دليل على أنه
انتقل عن العنصر الناري إذ لو كان باقيا على حاله فمن أين جاء البرد روقد بسطنا
القول في انتقالهم من العنصر الناري في الباب الثالث الذي عقدناه في بيان ما خلقوا
منه فلا حاجة بنا إلى إعادته وهذا المصروع يدخل بدنه الجني ويجري الشيطان من ابن
آدم مجرى الدم فلو كان باقيا على حاله لأحرق المصروع ومن جرى منه مجرى الدم.
وقد سئل مالك بن أنس رضي الله عنه فقيل إن ههنا رجلا
من الجن يخطب إلينا جارية يزعم أنه يريد الحلال فقال ما أرى بذلك بأسا في الدين
ولكن أكره إذا وجدت امرأة حامل قيل لها من زوجك قالت من الجن فيكثر الفساد في
الإسلام بذلك.
وهذا الذي ذكرناه عن الإمام مالك رضي الله عنه أورده
أبو عثمان سعيد بن العباس الرازي في كتاب الإلهام والوسوسة في باب نكاح الجن فقال
حدثنا مقاتل حدثني سعد بن داود الزبيدي قال كتب قوم من إلى مالك بن أنس رضي الله
عنه يسألونه عن نكاح الجن وقالوا إن ههنا رجلا من الجن إلى آخره
الوجه الثاني إنا لو سلمنا عدم إمكان العلوق فلا يلزم
من عدم إمكان العلوق عدم إمكان الوطء في نفس الأمر ولا يلزم من عدم إمكان العلوق
أيضا عدم إمكان النكاح شرعا فإن الصغيرة والآيسة والمرأة العقيم لا يتصور منهن
علوق والرجل العقيم لا يتصور منه إعلاق ومع هذا فالنكاح لهن مشروع فإن حكمة النكاح
وإن كانت لتكثير النسل ومباهاة الأمم بكثرة الأمة فقد يتخلف ذلك.
الوجه الثالث قوله ولو كان ذلك ممكنا لكان ظهر أثره في
حل النكاح هذا غير لازم فإن الشيء قد يكون ممكنا ويتخلف لمانع فإن المجوسيات
والوثنيات العلوق فيهن ممكن ولا يحل نكاحهن وكذلك المحارم ومن يحرم من الرضاع
والمانع في كل موضع بحسبه والمانع من جواز النكاح بين الإنس والجن عند من منعه إما
اختلاف الجنس عند بعضهم أو عدم حصول المقصود على ما نبينه أو عدم حصول الإذن من
الشرع في نكاحهم أما اختلاف الجنس فظاهر مع قطع النظر عن إمكان الوقاع وإمكان
العلوق واما عدم حصول المقصود من النكاح فنقول إن الله امتن علينا بأن خلق لنا من
أنفسنا أزواجا لنسكن إليها وجعل بيننا مودة ورحمة فقال تعالى “ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها
زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء “ وقال تعالى “
هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها “ وقال تعالى “ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل
بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون “ وقال تعالى “ فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا “ والجن
ليسوا من أنفسنا فلم يجعل منهم أزواج لنا فلا يكونون لنا أزواجا لفوات المقصود من
حل النكاح من بني آدم وهو سكون احد الزوجين إلى الآخر لأن الله تعالى أخبر أنه جعل
لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن إليها فالمانع الشرعي حينئذ من جواز النكاح
بين الإنس والجن عدم سكون أحد الزوجين إلى الآخر إلا
أن يكون عن عشق وهوى متبع من الإنس والجن فيكون إقدام الإنسي على نكاح الجنية
للخوف على نفسه وكذلك العكس إذ لو لم يقدموا على ذلك لآذوهم وربما أتلفوهم البتة
ومع هذا فلا يزال الإنسي في قلق وعدم طمأنينة وهذا يعود على مقصود النكاح بالنقض
وأخبر الله تعالى أنه جعل بين الزوجين مودة ورحمة وهذا منتف بين الإنس والجن لأن
العداوة بين الإنس والجن لا تزول بدليل قوله تعالى “ وقلنا
اهبطوا بعضكم لبعض عدو “ وقوله - صلى الله
عليه وسلم - في الطاعون وخز أعدائكم من الجن ولأن الجن خلقوا من نار السموم
فهم تابعون لأصلهم وفي الصحيحين من حديث أبي موسى قال احترق بيت في المدينة على
أهله بالليل فحدث النبي - صلى الله عليه وسلم -
بشأنهم فقال إن هذه النار إنما هي عدو لكم فإذا نمتم فاطفئوها عنكم فإذا كانت
النار عدوا لنا فما خلق منها فهو تابع لها في العداوة لنا لأن الشيء يتبع أصله
فإذا انتفى المقصود من النكاح وهو سكون أحد الزوجين إلى الآخر وحصول المودة
والرحمة بينهما انتفى ما هو وسيلة اليه وهو جواز النكاح وأما عدم حصول الإذن من
الشرع في نكاحهم فإن الله تعالى يقول “ فانكحوا ما طاب
لكم من النساء “ والنساء اسم للإناث من بنات آدم خاصة والرجال إنما أطلق
على الجن لأجل مقابلة اللفظ في قوله تعالى “ وأنه كان
رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن “ وقال تعالى “ قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم “ وقال تعالى “ إلا على أزواجهم “ فأزواج بني آدم من الأزواج المخلوقات
لهم من أنفسهم المأذون في نكاحهن وما عداهن فليسوا لنا بأزواج ولا مأذون لنا في
نكاحهن والله أعلم هذا ما تيسر لي في الجواب وفتح الله علي به وبالله التوفيق
فصل :وأما وقوع ذلك فقال أبو سعيد عثمان بن سعيد
الدارمي في كتاب اتباع السنن والأخبار حدثنا محمد بن حميد الرازي حدثنا أبو الأزهر
حدثنا الأعمش حدثني شيخ من نجيل قال علق رجل من الجن جارية لنا ثم خطبها إلينا
وقال إني أكره أن أنال منها محرما فزوجناها منه قال فظهر معنا يحدثنا فقلنا ما
أنتم فقال أمم أمثالكم وفينا قبائل كقبائلكم قلنا فهل فيكم هذه الأهواء قال نعم فينا
من كل الأهواء القدرية والشيعة والمرجئة قلنا من أيها أنت قال من المرجئة
وقال أحمد بن سليمان النجاد في أماليه حدثنا علي بن
الحسن بن سليمان ابي الشعناء الحضرمي أحد شيوخ مسلم حدثنا أبو معاوية سمعت الاعمش
يقول تزوج إلينا جني فقلت له ما أحب الطعام إليكم فقال الأرز قال فأتيناه به فجعلت
أرى اللقم ترفع ولا أرى أحدا فقلت فيكم من هذه الأهواء التي فينا قال نعم قلت فما
الرافضة فيكم قال شرنا قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي تغمده الله برحمته هذا
إسناد صحيح إلى الأعمش وقال ابو بكر الخرائطي حدثنا ابو بكر أحمد بن منصور الرمادي
حدثنا داود الصفدي حدثنا ابو معاوية الضرير عن الأعمش قال شهدت نكاحا للجن بكوني
قال وتزوج رجل منهم إلى الجن فقيل لهم أي الطعام أحب إليكم قالوا الأرز قال الأعمش
فجعلوا يأتون بالجفان فيها الأرز فيذهب ولا نرى الأيدي ورواه أيضا أبو بكر محمد بن
أحمد ابن أبي شيبة في كتاب القلائد له فقال حدثنا أمية سمعت أبا سليمان الجوزجاني
حدثنا أبو معاوية عن الأعمش بنحوه وقال بكر بن ابي الدنيا حدثني عبد الرحمن حدثنا
عمر حدثنا ابو يوسف السروجي قال جاءت امرأة إلى رجل بالمدينة فقالت إنا نزلنا
قريبا منكم فتزوجني قال فتزوجها
ثم جاءت إليه فقالت قد حان رحلينا فطلقني فكانت تأتيه
بالليل في هيئة امرأة قال فبينا هو في بعض طرق المدينة إذ رآها تلتقط حبا مما يسقط
من أصحاب الحب قال أفتبتغينه فوضعت يدها على رأسها ثم رفعت عينها إليه فقالت له
باي عين رأيتني قال بهذه فأومأت بأصبعها فسالت عينه وحدثنا القاضي جلال الدين أحمد
بن القاضي حسام الدين الرازي الحنفي تغمده الله برحمته قال سفر والدي لإحضار أهله
من الشرق فلا جزت البيرة ألجأنا المطر إلى أن نمنا في مغارة وكنت في جماعة فبينا
أنا نائم إذا أنا بشيء يوقظني فانتبهت فإذا بامرأة وسط في النساء لها عين واحدة
مشقوقة بالطول فارتعبت فقالت ما عليك من بأس إنما أتيتك لتتزوج ابنة لي كالقمر
فقلت لخوفي منها على خيرة الله تعالى ثم نظرت فإذا برجال قد أقبلوا فنظرتهم فإذا
هم كهيئة المرأة التي أتتني عيونهم كلها مشقوقة بالطول في هيئة قاض وشهود فخطب
القاضي وعقد فقبلت ثم نهضوا وعادت المرأة ومعها جارية حسناء إلا أن عينها مثل عين
أمها وتركتها عندي وانصرفت فزاد خوفي واستيحاشي وبقيت أرمى من كان عندي بالحجارة
حتى يستيقظوا فما انتبه منهم أحد فاقبلت على الدعاء والتضرع ثم آن الرحيل فرحلنا
وتلك الشابة لا تفارقني فدمت على هذا ثلاثة أيام فلما كان اليوم الرابع أتتني
المرأة وقالت كأن هذه الشابة ما أعجبتك وكأنك تحب فراقها فقلت أي والله قالت
فطلقها فطلقتها فانصرفت ثم لم أرهما بعد.
وهذه الحكاية كانت تذكر عن القاضي جلال الدين فحكيتها
للقاضي الإمام العلامة شهاب الدين أبي العباس أحمد بن فضل الله العمري تغمده الله
برحمته فقال أنت سمعتها من القاضي جلال الدين فقلت لا فقال أريد أن أسمعها منه
فمضينا إليه وكنت أنا السائل له عنها فحكاها كما ذكرتها إلى آخرها فسألت القاضي
شهاب الدين هل أفضى إليها فزعم أن لا وقد ألحق القاضي شهاب الدين هذه الحكاية في
ترجمة القاضي جلال الدين في كتاب مسالك الأبصار بخطه على حاشية الكتاب.
هل كان ابوا بلقيس من الجن وقد قيل إن أحد أبوي بلقيس
كان جنيا قال الكلبي كان أبوها من عظماء الملوك وولده ملوك اليمن كلها وكان يقول
ليس في ملوك الأطراف من يدانيني فتزوج امرأة من الجن يقال لها ريحانة بنت السكن
فولدت له بلقيس وتسمى بلقمة ويقال إن مؤخر قدميها كان مثل حافر الدابة ولذلك اتخذ
سليمان عليه السلام الصرح الممرد من قوارير وكان بيتا من زجاج يخيل للرائي أنه
يضطرب فلما رأته كشفت عن ساقيها فلم ير غير شعر خفيف ولذك أمر بإحضار عرشها ليختبر
عقلها به ثم أسلمت وعزم سليمان على تزويجها فأمر الشياطين فاتخذوا الحمام والنورة
وهو أول من اتخذ الحمام والنورة وطلوا بالنورة ساقيها فصار كالفضة فتزوجها وأرادت
منه ردها إلى ملكها ففعل ذلك وأمر الشياطين فبنوا لها باليمن الحصون التى لم ير
مثلها وهى غمدان ونينوى وغيرهما وأبقاها على ملكها وكان يزورها في كل شهر مرة على
البساط والريح وبقى ملكها إلى أن مات فزال بموته قال أبو منصور الثعالبي في فقه
اللغة ويقال للمتولد بين الإنسى والجنية الخس وللمتولد بين الآدمى والسعلاة
العملوق
فصل وأما المقام الثانى أهو مشروع أم لا فقد روى عن
النبى - صلى الله عليه وسلم - النهى عنه وروى عن
جماعة من التابعين كراهته قال حرب الكرمانى في مسائله عن أحمد وإسحاق حدثنا محمد
بن يحيى القطيعى حدثنا بشر بن عمر حدثنا ابن لهيعة عن يونس بن يزيد عن الزهرى قال
نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نكاح
الجن وهو مرسل وفيه ابن لهيعة.
حدثنا معاوية عن الحجاج عن الحكم أنه كره نكاح الجن
حدثنا إبراهيم بن عروة حدثنى سليمان بن قتيبة حدثني عقبة الرومانى قال سألت قتادة
عن تزويج الجن فكرهه وسألت الحسن عن تزويج الجن فكرهه وقال أبو بكر بن محمد القرشي
حدثنا بشر بن يسار عن عبد الله حدثنا أبو الجنيد الضرير حدثنا عقبة بن عبد الله أن
رجلا أتى الحسن ابن الحسن البصري فقال يا ابا سعيد أن رجلا من الجن يخطب فتاتنا
فقال الحسن لا تزوجوه ولا تكرموه فاتى قتادة فقال يا ابا الخطاب إن رجلا من الجن
يخطب فتاة لنا فقال لا تزوجوه ولكن إذا جاء فقولوا إنا نخرج عليك إن كنت مسلما لما
انصرفت عنا ولم تؤذنا فلما كان من الليل جاء الجني حتى قام على الباب فقال أتيتم
الحسن فسألتموه فقال لكم لا تزوجوه ولا تكرموه ثم أتيتم قتادة فسألتموه فقال لا
تزوجوه ولكن قولوا له أنا نخرج عليك إن كنت رجلا مسلما لما انصرفت عنا ولم تؤذنا
فقالوا له ذلك فانصرف عنهم ولم يؤذهم وقال ابو عثمان سعيد ابن العباس الرازي في
كتاب الإلهام والوسوسة باب في نكاح الجن فساق ما ذكرناه عن مالك ثم قال حدثنا أبو
بشر بكر بن خلف حدثنا أبو عاصم عن سفيان الثوري عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم أنه
كان يكره نكاح الجن ورواه أبو حماد الحنفي عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم ابن عتيبة
أنه كره نكاح الجن وقال حرب قلت لإسحاق رجل ركب البحر فكسر به فتزوج جنية قال
مناكحة الجن مكروهة وقال ابن أبي الدنيا حدثنا الفضل بن اسحاق حدثنا ابو قتيبة عن
عقبة الاصم وقتادة وسئلا عن تزويج الجن فكرهاه قال وقال الحسن خرجوا عليه نخرج
عليك أن تسمعنا صوتك أو ترينا خلقك ففعلوا فذهب.
وقال الشيخ جمال الدين السجستاني من أئمة الحنفية في
كتاب منية المفتي عازيا له إلى الفتاوي السراحية لا تجوز المناكحة بين الإنس والجن
وإنسان الماء لاختلاف الجنس وذكر الشيخ نجم الدين الزاهدي في قنية المنية سئل
الحسن البصري عن التزويج بجنية فقال يجوز بشهود رجلين حم وعك لا يجوز بغيرهما قال
يصفع السائل لحماقته قلت حم رمز أبي حامد وعك رمز عين الأئمة الكرابيسي وهذا الذي
ذكره الشيخ جمال الدين السجستاني من أنه لا يجوز المناكحة بين الإنس والجن وإنسان
الماء دليل على إمكان ذلك.
وقد روى أبو عبد الرحمن الهروي في كتاب العجائب ما يدل
على إمكان ذلك ووقوعه فقال حدثنا أبو بشر عبد الرحمن بن كعب ابن البداح بن سهل بن
محمد بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري حدثني ابن عمي عقبة بن الزبير بن
خارجة بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري عن بعض أشياخه ممن يثق به أنه رأى رجلا
معه ابن له فنهره ذات يوم وذكر والدته فقال له الشيخ لا تفعل فإني أحدثك سبب هذا
وسبب والدته فذكر أنه ركب البحر فكسر به وسلم على لوح فأقام بجزيرة حينا يأكل من
ثمرها ويأوي إلى شجرة من اشجارها فبينا هو ذات ليلة إذ خرج من البحر حوار مع كل
واحدة درة ترمى بها ثم تعدو في إثرها وضوئها حتى تأخذها ولهن غنغنة كأمثال
الخطاطيف قال فتحرك منه ما يتحرك من الرجال وهش إليهن فتعرف أمورهن وآخرهن ليلة
وثانية ثم نزل فقعد في أصل شجرة حيث لا يرونه فلما خرجن غدا في إثرهن فتعلق بشعر
واحدة منهن وكان شعرها يجللها فجاء بها يقودها حتى شدها بأصل الشجرة ثم وطئها
فحملت منه بهذا الغلام فلم يزل يعذبها حتى أرضعته سنة ثم هم بحلها فكره ذلك وقال
حتى يبلغ الفطام ويأكل وهي في خلال ذلك تحمل الغلام فرحا به إلا أنها لا تتكلم
فرحا أنها قد ألفته وأنها لا تبرح فحلها فاستغفلته وخرجت تعدو حتى القت نفسها في
البحر وبقي الصبي في يديه فلم يكن باسرع من أن مر به مركب فلوح له ففر به وخرج إلى
بلاده فهذه قصة هذا الغلام قال الشيخ جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن بن علي
الإسنوي الشافعي المصري في جملة مسائله التي سأل عنها قاضي القضاة شرف الدين أبا
القاسم هبة الله بن عبد الرحيم بن البارزي مسألة هل يجوز الزواج من الجن عند
الإرادة أم يمنع بينه وبين ذلك إذا أراد أن يتزوج امرأة من الجن عند فرض إمكانه
فهل يجوز ذلك أم يمتنع فإن الله تعالى قال “ ومن آياته أن
خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها “ البارزي بأن جعل ذلك من جنس ما
يؤلف فإن جوزنا ذلك وهو المذكور في شرح الوجيز المعزي إلى ابن يونس فتتفرع منه
أشياء منها أنه هل يجبرها على ملازمة المسكن أم لا وهل له منعها من التشكل في غير
صورة الآدميين عند القدرة عليه لانه قد تحصل النفرة أم لا وهل يعتمد عليها فيما
يتعلق بشروط صحة النكاح من أمر وليها وخلوها عن الموانع أم لا وهل يجوز قبول ذلك
من قاضيهم أم لا وهل إذا رآها في صورة غير التي يألفها وادعت أنه هي هل يعتمد
عليها ويجوز له وطؤها أم لا وهل يكلف الإتيان بما يألفونه من قوتهم كالعظم وغيره
إذا أمكن الاقتيات بغيره أم لا؟.
الجواب على السائل لا يجوز له أن يتزوج من الجن امرأة
لعموم الآيتين الكريمتين قوله تعالى في سورة النحل “ والله
جعل لكم من أنفسكم أزواجا “ وفي سورة الروم “ ومن
آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا “ قال المفسرون في معنى الآيتين “ جعل لكم من أنفسكم “ أي من جنسكم ونوعكم وعلى خلقكم كما
قال تعالى “ لقد جاءكم رسول من أنفسكم “ أي من
الآدميين ولأن اللائي يحل نكاحهن بنات العمومة وبنات الخئولة فدخل في ذلك من هي في
نهاية البعد كما هو المفهوم من آية الأحزاب في قوله “ وبنات
عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك “ والمحرمات غيرهن وهن الأصول
والفروع وفروع أول الاصول وأول فرع من باقي الأصول كما في آية التحريم في النساء
فهذا كله في النسب وليس بين الآدميين والجن نسب وأما الجن فيجب الإيمان بوجودهم
وقد صح أنهم يأكلون ويشربون ويتناكحون وقيل إن أم بلقيس كانت من الجن وقيل إنهم
يشاركون الرجل في المجامعة إذا لم يذكر اسم الله تعالى وينزل في المرأة وهو المراد
من قوله تعالى “ وشاركهم في الأموال والأولاد “
وهو المفهوم من قوله تعالى “ لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان “
وفي الحديث من سنن ابي داود من حديث عبد الله بن مسعود
أنه قدم وفد الجن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فقالوا يا محمد إنه أمتك أن يستنجوا بعظم أو روث أو حممة فإن الله تعالى جاعل لنا
فيها رزقا وفي صحيح مسلم فقال كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما
يكون لحما وكل بعرة علف لدوابكم فقال رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم من الجن وفي
البخاري من حديث أبي هريرة قال فقلت ما بال العظم والروث قال هما طعام الجن وأنه
أتاني وفد جن نصيبين ونعم الجن فسألوني الزاد فدعوت الله تعالى أن لا يمروا بعظم
ولا روثة إلا وجدوا عليها طعاما.
قلت والظاهر عن الأعمش جوازه لأنا قدمنا عنه أنه حصر
نكاحا للجن بكوثى قال وتزوج رجل منهم إلى الجن وقوله فيما صح عنه تزوج إلينا جني
فسألته إلى آخره دليل على أنه كان جائزا عنده إذ لو كان حراما لما حضره وقد روى عن
زيد العمى أنه قال اللهم ارزقني جنية أتزوجها قيل له يا أبا الحواري وما تصنع بها
قال تصحبني في اسفاري حيث كنت كانت معي رواه حرب عن اسحاق اخبرني محرز شيخ من اهل
مروثقة قال سمعت زيد العمي يقول فذكره وقد قدمنا أن ظاهر قول مالك بن أنس رضي الله
عنه ما أرى بذلك بأسا في الدين يدل على جوازه عنده وإنما كرهه لمعنى آخر هو منتف
في العكس والله أعلم
قال عبد الله بن محمد القرشي حدثنا عبد العزيز بن
معاوية القرشي حدثنا ابو عامر الضرير حدثنا حماد بن سلمة عن داود بن هند عن سماك
ابن حرب عن جرير بن عبد الله قال إني لأسير بتستر في طريق من طرقها وقت الذي فتحت
إذ قلت لا حول ولا قوة إلا بالله قال فسمعني هربذ من أولئك الهرابذة فقال ما سمعت
هذا الكلام من أحد منذ سمعته من السماء قال قلت فكيف ذلك قال إني كنت رجلا أفد على
الملوك أفد على كسرى وقيصر فوفدت عاما على كسرى فخلفني في أهلي شيطان يكون على
صورتي فلما قدمت لم يهش أهلي كما يهش أهل الغائب إلى غائبهم فقلت ما شأنكم فقالوا
إنك لم تغب قال قلت وكيف ذلك قال فظهر لي فقال اختر أن يكون لك منها يوم ولي يوم
قال فأتاني يوما فقال إنه ممن يسترق السمع وإن استراق السمع بيننا نوب وأن نوبتي
الليلة فهل لك أن تجئ معنا قلت نعم فلما أمسى أتاني فحملني على ظهره فإذا له معرفة
كمعرفة الخنزير فقال لي استمسك فإنك ترى أمورا وأهوالا فلا تفارقني فتهلك قال ثم
عرجوا حتى لحقوا بالسماء قال فسمعت قائلا يقول لا حول ولا قوة إلا بالله ما شاء
الله كان وما شاء لم يكن قال فلحق بهم فوقعوا من وراء العمران في غياض وشجر قال
فحفظت الكلمات فلما أصبحت أتيت أهلي وكان إذا جاء قلتهن فنضطرب حتى يخرج من كوة
البيت فلم أزل أقولهن حتى انقطع عني .
حدثنا الحسن بن جهور حدثني ابن ابي إلياس حدثني أبي
عباد بن اسحاق عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن سعد بن أبي وقاص قال بينا أنا بفناء
داري إذ جاءني رسول زوجتي فقال أجب فلانة فاستنكرت ذلك فدخلت فقلت مه فقالت إن هذه
الحية وأشارت إليها كنت أراها بالبادية إذا خلوت ثم مكثت لا أراها حتى رأيتها الآن
وهي هي أعرفها بعينها قال فخطب سعد خطبة حمد الله وأثنى عليه ثم قال إنك قد آذيتني
وإني أقسم لك بالله إن رأيتك بعد هذا لأقتلنك فخرجت الحية فانسابت من البيت ثم من
باب الدار وأرسل سعد معها إنسانا فقال انظر أين تذهب فتبعها حتى جاءت المسجد ثم
جاءت منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرقت
فيه مصعدة إلى السماء حتى غابت وفي الباب عدة أخبار مفرقة في الأبواب الآتية حسبما
اقتضاه التبويب كزيادة في كل خبر وبالله التوفيق
قال القرشي في مكايد الشيطان حدثني ابو سعيد المديني
حدثني اسماعيل بن أبي أويس حدثني محمد بن حسن حدثني ابراهيم بن هارون ابن موسى بن
محمد بن إياس بن البكير الليثي حدثني أبي عن حسن بن حسن قال دخلت على الربيع بنت
معوذ بن عفراء أسألها عن بعض الشيء فقالت بينا أنا في مجلسي إذ انشق سقفي فهبط على
منه أسود مثل الجمل أو مثل الحمار لم أر مثل سواده وخلقه وفظاعته قالت فدنا مني
يريدني وتبعته صحيفة صغيرة ففتحها فقرأها فإذا فيها من رب عكب إلى عكب أما بعد فلا
سبيل لك إلى المرأة الصالحة بنت الصالحين قال فرجع من حيث جاء وأنا انظر إليه قال
حسن بن حسن فأرتني الكتاب وكان عندهم .
حدثني أبو جعفر الكندي حدثنا إبراهيم بن صرمة الأنصاري
عن يحيى بن سعيد قال لما حضرت عمرة بنت عبد الرحمن الوفاة اجتمع عندها أناس من
التابعين فيهم عروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبو سلمة ابن عبد الرحمن فبينا هم
عندها وقد أغمي عليها إذ سمعوا نفيضا من السقف إذ ثعبان أسود قد سقط كأنه جذع عظيم
فاقبل يهوي نحوها إذ سقط رق أبيض مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم من رب عكب إلى عكب
ليس لك على بنات الصالحين سبيل فلما نظر إلى الكتاب سما حتى خرج من حيث نزل حدثني
محمد بن قدامة حدثنا عمر بن يونس اليمامي الحنفي قال حدثنا عكرمة بن عمار حدثني
اسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال حدثني أنس بن مالك قال كانت ابنة عوف بن عفراء
مستلقية على فراشها فما شعرت إلا بزنجي قد وثب على صدرها ووضع يده في حلقها فإذا
صحيفة صفراء تهوي بين السماء والأرض حتى وقعت على صدري فأخذها فقرأها فإذا فيها من
رب لكين إلى لكين اجتنب ابنة العبد الصالح فإنه لا سبيل لك عليها فقام وأرسل بيده
من حلقي وضرب بيده على ركبتي فاستورمت حتى صارت مثل راس الشاة قالت فأتيت عائشة
رضي الله عنها فذكرت ذلك لها فقالت يا ابنة أخي إذا خفت فاجمعي عليك ثيابك فإنه لن
يضرك إن شاء الله قال فحفظها الله بأبيها فإنه كان قتل يوم بدر شهيدا.
ذكر في الفتاوي الظهيرية قال وفي صلاة ابن عبدك امرأة
قالت معي جني يأتيني في اليوم مرارا وأجد في نفسي ما أجد إذا جامعني زوجي لا غسل
عليها وذكر أبو المعالى بن منجي الحنبلي في كتاب شرح الهداية لابن الخطاب الحنبلي
في امرأة قالت إن جنيا يأتيني كما يأتي الرجل المرأة فهل يجب عليها غسل قال بعض
الحنفية لا غسل عليها أو كذا قال ابو المعالي لو قالت امرأة معي جني كالرجل لا غسل
عليها لانعدام سببه وهو الإيلاج والاحتلام فهو كالمنام بغير إنزال . قلت وفيما
قاله من التعليل نظر لأنها إذا كانت تعرف أنه يجامعها كالرجل فكيف تقول يجامعني
ولا إيلاج ولا احتلام وإذا انعدم السبب وهو الإيلاج والاحتلام فكيف يوجد الجماع والله
تعالى أعلم
قال الطرطوسي في كتاب تحريم الفواحش باب من أي شيء
يكون المخنث حدثنا أحمد بن محمد حدثنا أحمد بن محمد القاضي حدثنا ابن أخي ابن وهب
حدثني عمي عن يحيى عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال المخنثون أولاد الجن قيل
لابن عباس كيف ذلك قال ان الله عز وجل ورسوله - صلى الله
عليه وسلم - نهيا أن يأتي الرجل امرأته وهي حائض فإذا أتاها سبقه إليها
الشيطان فحملت فجاءت بالمخنث والله أعلم.
قال أبو بكر بن أبي الدنيا حدثني اسماعيل بن اسحاق
حدثنا خالد ابن الحارث حدثنا سعيد بن ابي عروبة عن قتادة عن أبي نصرة عن عبد
الرحمن بن أبي ليلى أن رجلا من قومه خرج ليصلي مع قومه صلاة العشاء ففقد فانطلقت
امرأته إلى عمر بن الخطاب فحدثته بذلك فسأل عن ذلك قومها فصدقوها فأمرها أن تتربص
أربع سنين فتربصت ثم أتت عمر فأخبرته بذلك فسأل عن ذلك قومها فصدقوها فأمرها أن
تتزوج ثم أن زوجها الأول قدم فارتفعوا إلى عمر بن الخطاب فقال عمر يغيب أحدكم
الزمان الطويل لا يعلم أهله حياته قال كان لي عذر قال وما عذرك قال خرجت أصلي مع قومي
صلاة العشاء فسبتني أو قال أصابتني الجن فكنت فيهم زمنا طويلا فغزاه جن مؤمنون
فقاتلوهم فظهروا عليهم فأصابوا لهم سبايا فكنت فيمن أصابوا فقالوا ما دينك قلت
مسلم قالوا أنت على ديننا لا يحل لنا سبيك فخيروني بين المقام وبين القفول فاخترت
القفول فأقبلوا معي بالليل بشر يحدثونني وبالنهار أعصار ريح أتبعها فقال فما كان
طعامك قال كل ما لم يذكر اسم الله عليه قال فما كان شرابك قال الجدف قال قتادة
الجدف ما لم يخمر من الشراب قال فخيره عمر رضي الله عنه بين المرأة وبين الصداق
قال أيضا وحدثنا أبو مسلم عبد الرحمن بن يوسف حدثنا سفيان بن عيينة بن عمرو
ابن دينار عن يحيى بن جعدة قال انتسفت الجن رجلا على
عهد عمر رضي الله عنه فلم يدروا أحيا هو أم ميتا فأتت امرأته عمر رضي الله عنه
فأمرها أن تتربص أربع سنين ثم أمر وليه أن يطلق ثم أمرها أن تعتد وتتزوج فإن جاء
زوجها خير بينها وبين الصداق والله تعالى أعلم
قال يحيى بن يحيى قال لي وهب استنبط بعض الخلفاء عينا
وأراد إجراءها وذبح للجن عليها لئلا يغوروا ماؤها فأطعم ذلك أناسا فبلغ ذلك ابن
شهاب فقال إما إنه قد ذبح ما لم يحل له وأطعم الناس ما لا يحل لهم نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل ما ذبح للجن . قال
الطليطلي وأخبرني يحيى بن يحيى عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل ما ذبح للجن وعلى اسمهم
ونقلت عن خط الشيخ العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الحنبلي قال
وقد وقعت هذه الواقعة بعينها في مكة ستة إجراء العين بها فأخبرني إمام الحنابلة
بمكة وهو الذي كان إجراؤها على يده وتولى مباشرتها بنفسه نجم الدين خليفة بن محمود
الكيلاني قال لما وصل الحفر إلى موضع ذكره خرج أحد الحفارين من تحت الحفر مصروعا
يتكلم فمكث كذلك طويلا فسمعناه يقول يا مسلمين لا يحل لكم أن تظلمونا قلت أنا له
وبأي شيء ظلمناكم قال نحن سكان هذه الأرض ولا والله ما فيهم مسلم غيري وقد تركتهم
ورائي مسلمين وإلا كنتم لقيتم منهم شرا وقد أرسلوني إليكم يقولون لا ندعكم تمرون
بهذا الماء في ارضنا حتى تبذلوا لنا حقنا قلت وما حقكم قال تأخذون ثورا فتزينوه
بأعظم زينة وتلبسونه وتزفونه من داخل مكة حتى تنتهوا به إلى هنا فاذبحوه ثم اطرحوا
لنا دمه وأطرافه ورأسه في بئر عبد الصمد وشأنكم بباقيه وإلا فلا ندع الماء بجري في
هذه الأرض أبدا قلت نعم أفعل ذلك قال وإذا بالرجل قد أفاق يمسح وجهه وعينيه ويقول
لا إله إلا الله أين أنا قال وقام الرجل ليس به قلبة فذهبت إلى بيتي فلما اصبحت
ونزلت أريد المسجد إذا برجل على الباب لا أعرفه فقال الحاج خليفة ههنا قلت وما
تريد به قال حاجة أقولها له قلت له الحاجة وأنا أبلغه إياها فإنه مشغول قال لي قل
له إني رأيت البارحة في النوم ثورا عظيما قد زينوه بأنواع الحلي واللباس وجلوا به
يزفونه حتى مروا به على دار خليفة فوقفوه إلى أن خرج ورآه وقال نعم هو هذا ثم أقبل
به يسوقه والناس خلفه يزفونه حتى خرج به من مكة فذبحوه وألقوا رأسه وأطرافه في بئر
قال فعجبت من منامه وحكيت الواقعة والمنام لأهل مكة وكبرائهم فاشتروا ثورا وزينوه
والبسوه وخرجنا به نزفه حتى انتهينا إلى موضع الحفر فذبحناه وألقينا رأسه وأطرافه
ودمه في البئر التي سماها قال ولما كنا قد وصلنا إلى ذلك الموضع كان الماء يغور
فلا ندري أين يذهب اصلا ولا ندري له عينا ولا أثرا قال فما هو إلا أن طرحنا ذلك في
البئر قال وكأني بمن أخذ بيدي وأوقفني على مكان وقال احفروا ههنا قال فحفرنا وإذا
بالماء يموج في ذلك الموضع وإذا طريق منقورة في الجبل يمر تحتها الفارس بفرسه
فأصلحناها ونظفناها فجرى الماء فيها نسمع هديره فلم يكن إلا نحو أربعة أيام وإذا
بالماء بمكة وأخبرنا من حول البئر أنهم لم يكونوا يعرفون في البئر ماء يردونه فما
هو إلا أن امتلأت وصارت موردا قال العلامة شمس الدين وهذا نظير ما كان عادتهم قبل
الإسلام من تزيين جارية حسناء وإلباسها أحسن ثيابها وإلقائها في النيل حتى يطلع ثم
قطع الله تلك السنة الجاهلية على يدي من أخاف الجن وقمعها عمر بن الخطاب رضي الله
عنه وهكذا هذه العين وأمثالها لو حفرها رجل عمري يفرق منه الشيطان لجرت على رغمهم
ولم يذبح لهم عصفور فما فوقه ولكن لكل زمان رجال قال وهذا الرجل الذي أخبرني بهذه
الحكاية كنت نزيله وجاره وخيرته فرأيته من أصدق الناس وأدينهم واعظمهم أمانة وأهل
البلد كلمتهم واحدة على صدقة ودينه وشاهدوا هذه الواقعة بعيونهم والله الهادي للحق
قال أبو نعيم حدثنا الحسن بن إسحاق بن إبراهيم بن زيد
حدثنا أحمد بن عمر بن جابر الرملي حدثنا أحمد بن محمد بن طريف حدثنا محمد بن كثير
عن الأعمش حدثني وهب بن جابر عن أبي بن كعب قال خرج قوم يريدون مكة فأضلوا الطريق
فلما عاينوا الموت أو كادوا يموتون لبسوا أكفانهم واضجعوا للموت فخرج عليهم جني
يتخلل الشجر وقال أنا بقية النفر الذين استمعوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - سمعته يقول المؤمن أخو المؤمن عينه ودليله لا
يخذله هذا الماء وهذا الطريق ثم دلهم على الماء وأرشدهم إلى الطريق
وقال أبو بكر بن محمد حدثني أبي حدثنا عبد العزيز
القرشي أنا اسرائيل عن السدي عن مولى عبد الرحمن بن بشر قال خرج قوم حجاجا في إمرة
عثمان فأصابهم عطش فانتهوا إلى ماء ملح فقال بعضهم لو تقدمتم فإنا نخاف أن يهلكنا
هذا الماء فإن أمامكم الماء فساروا حتى أمسوا فلم يصيبوا ماء فقال بعضهم لبعض لو
رجعتم إلى الماء الملح فأدلجوا حتى انتهوا إلى شجرة سمر فخرج عليهم رجل أسود شديد
سواد الجسم فقال يا معشر الركب إني سمعت رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - يقول من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحب للمسلمين ما
يحب لنفسه ويكره للمسلمين ما يكره لنفسه فسيروا حتى تنتهوا إلى أكمة فخذوا عن
يسارها فإن الماء ثم فقال بعضم والله إنا لنرى أنه شيطان وقال بعضهم ما كان
الشيطان ليتكلم بمثل ما تكلم به يعني أنه مؤمن من الجن فصاروا حتى انتهوا إلى
المكان الذي وصف لهم فوجدوا الماء ثم وقد قدمنا في الباب الثامن عشر في خبر الذي
دفنه عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قول الجني أشهد لسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ستموت بأرض فلاة فيكفنك
ويدفنك رجل صالح وقول الآخر قال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - لصاحبي المدفون ستموت في أرض غربة يدفنك فيها خير أهل الأرض
والله تعالى أعلم
قال أبو بكر القرشي حدثني عيسى بن عبيد الله التميمي
حدثنا أبو ادريس حدثني أبي عن وهب بن منبه قال كان يلتقي هو والحسن البصري في
الموسم كل عام في مسجد الخيف إذا هدأت الرجل ونامت العين ومعهما جلاس لهما يتحدثون
فبينا هما ذات ليلة يتحدثان مع جلسائهما إذ أقبل طائر له حفيف حتى وقع إلى جانب
وهب في الحلقة فسلم فرد وهب عليه السلام وعلم أنه من الجن ثم أقبل عليه يحدثه فقال
وهب من الرجل قال رجل من الجن من مسلميهم قال وهب فما حاجتك قال أو ينكر علينا أن
نجالسكم ونحمل عنكم العلم إن لكم فينا رواة كثيرة وأنا لنحضركم في اشياء كثيرة من
صلاة وجهاد وعيادة مريض وشهادة جنازة وحج وعمرة وغير ذلك ونحمل عنكم العلم ونسمع
منكم القرآن قال له وهب فأي رواة الجن عندكم أفضل قال رواة هذا الشيخ واشار إلى
الحسن فلما رأى الحسن وهبا وقد شغل عنه قال يا أبا عبد الله من تحدث قال بعض
جلسائنا فلما قاما من مجلسهما سأل الحس وهبا فأخبره وهب خبر الجني وكيف فضل رواة
الحسن على غيره قال الحسن يا وهب أقسمت عليك أن لا تذكر هذا الحديث لأحد فإني لا
آمن أن ينزله الناس على غير ما جاء قال وهب فكنت ألقى ذلك الجني في المواسم في كل
عام فيسألني فأخبره ولقد لقيته عاما في الطواف فلما قضينا طوافنا قعدت أنا وهو في
ناحية المسجد فقلت له ناولني يدك فمد يده إلي فإذا هي مثل برثن الهر وإذا عليها
وبر ثم مددت يدي حتى بلغت منكبه فإذا مرجع جناح قال فأغمز يده غمزة ثم تحدثنا ساعة
ثم قال لي يا أبا عبد الله ناولني يدك كما ناولتك يدي قال فأقسم بالله لقد غمز يدي
غمزة حين ناولتها إياه حتى كاد يصيحني وضحك قال وهب وكنت ألقى ذلك الجني في كل عام
في المواسم ثم فقدته فظننت أنه مات أو قتل قال وسأل وهب الجني أي جهادكم كما أفضل
قال جهاد بعضنا بعضا.
وقال أبو عبد الرحمن بن شكر حدثنا محمد بن عيسى الجندي
حدثنا صامت بن معاد عن عبد الرحمن بن يحيى عن أبيه يحيى بن ثابت قال كنت مع حفص
الطائفي بمنى فإذا شيخ أبيض الرأس واللحية يفتى الناس فقال لي حفص يا أبا ايوب
أترى هذا الشيخ الذي يفتى الناس هو عفريت قال فدنا منه حفص وأنا معه فلما نظرت إلى
حفص وضع يده على نعليه ثم اشتد وتبعه القوم وجعل يقول يا أيها الناس إنه عفريت .
قال ابن أبي الدنيا حدثنا محمد بن الحسين حدثنا داود
بن المحبر حدثنا سوادة بن الأسود سمعت أبا خليفة العبدي قال مات ابن لي صغير فوجدت
عليه وجدا شديدا وارتفع عني النوم فوالله إني ذات ليلة لفي بيتي على سريري وليس في
البيت أحد وأنى لمفكر في أبني إذ ناداني مناد من ناحية البيت السلام عليكم ورحمة
الله يا خليفة قلت وعليكم السلام ورحمة الله قال فرعبت رعبا شديدا ثم قرأ آيات من
آخر سورة آل عمران حتى انتهى إلى قوله “ وما عند الله خير للأبرار “ ثم قال يا
خليفة قلت لبيك قال ماذا تريد أن تخص بالحياة في ولدك دون الناس أفأنت أكرم على
الله أم محمد - صلى الله عليه وسلم - قد مات أبنه
إبراهيم فقال تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب أم تريد أن تدفع الموت
عن ولدك وقد كتب على جميع الخلق أم تريد أن تسخط على الله وترد في تدبيره خلقه
والله لولا الموت ما وسعتهم الأرض ولولا الأسى ما انتفع المخلوق بعيش ثم قال ألك
حاجة قلت من أنت يرحمك الله قال امرؤ من جيرانك الجن والله أعلم
قال ابن أبي الدنيا أخبرنا محمد بن أبي معشر حدثني أبي
حدثني اسحاق بن عبيد الله بن ابي فروة قال إن نفرا من الجن تكونوا في صورة الإنس
فأتوا رجلا فقالوا أي شيء أحب إليك أن يكون لك قال الإبل قالوا أحببت الشقاء
والعناء وطول البلاء يلحقك بالغربة ويبعدك من الأحبة فارتحلوا من عنده فنزلوا بآخر
فقالوا أي شيء أحب إليك أن يكون لك قال العبيد قالوا عز مستفاد وغيظ كالأوتاد ومال
وبعاد فارتحلوا من عنده فنزلوا على آخر فقالوا أي شيء أحب إليك أن يكون لك قال احب
الغنم قالوا أكلة آكل ورفلة سائل لا تحملك في الحرب ولا تلحقك في النهب ولا تنجيك
من الكرب فارتحلوا من عنده فنزلوا على آخر فقالوا أي شيء أحب إليك أن يكون لك قال
أحب الاصل قالوا ثلاثمائة وستون نخلة غناء الدهر ومال الضح قال فارتحلوا من عنده
فنزلوا على آخر فقالوا أي شيء أحب إليك أن يكون لك قال أحب الحرث قالوا نصف العيش
حين تحرث تجد وحين لا تحرث لا تجد قال فارتحلوا من عنده فنزلوا على آخر فقالوا أي
شيء أحب إليك أن يكون لك قال كما أنتم حتى اضيفكم فجاءهم بخبز فقالوا قمح يصلح ثم
جاءهم بلحم فقالوا روح تأكل روحا ما قل منه خير مما كثر قال فجاءهم بتمر ولبن فقالوا
ثمر النخلات ولبن البكرات كلوا باسم الله قال فأكلوا قالوا أخبرنا ما أحد شيء وما
أحسن شيء وما أطيب شيء رائحة قال أما أحد شيء فضرس جائع يقذف في معاء ضائع وأما
أحسن شيء فغادية في إثر سارية في أرض رابية وأما أطيب شيء رائحة فريح زهر في أثر
مطر قالوا فأخبرنا أي شيء أحب إليك أن يكون لك قال أحب الموت قالوا لقد تمنيت شيئا
ما تمناه أحد قبلك قال ولم فإن كنت محسنا ضمن لي إحساني وإن كنت مسيئا كفاني
إساءتي وإن كنت غنيا فقبل فقرى وإن كنت فقيرا ضمن لي فقري قالوا أوصنا وزودنا
فأخرج إليهم قربة من لبن وقال هذا زادكم قالوا أوصنا قال قولوا لا إله إلا الله
يكفيكم ما بين أيديكم وما خلفكم فخرجوا من عنده وهم يحزمونه على الجن والإنس ، قال
محمد بن أبي معشر حدثني ابو النصر هاشم بن القاسم قال بلغني أن الرجل الذي عليه
نزلوا بآخرة عويمر ابو الدرداء فصل يقال للشعراء كلاب الجن قال عمرو بن كلثوم:
وقد هرت كلاب الجن منا وسدينا قتادة من يلينا
وذلك لزعمهم أن الشياطين تلقي الشعر على أفواههم وسموا
الملقى تابعة وربا قال جرير
إني ليلقى على الشعر مكتهل من الشياطين إبليس الأباليس
ووسموا توابعهم بأعلام قالوا كان للأعشى مسحل ولعمرو
ابن قطن جهنام ولبشار سنقناق ويقال للخلفاء والجان جند إبليس
وكنت فتى من جند إبليس
فارتقت بي الحال حتى صار إبليس من جندي
ويقال للشعر رقي الشياطين قال جرير في عمر بن عبد
العزيز
رأيت رقي الشيطان لا
يستفزه وقد كان شيطاني من الجن راقيا
وكذلك كل ما يتكلم به من كلمات الخلابة والتحميس قال
ماذا يظن بسلمى إذ يلم بها مرجل الرأس ذو بردين وضاح
خز عمامته حلو فكاهته في كفه من رقي الشيطان مفتاح
قال صاحب كتاب الهواتف حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد ابن
السكن حدثنا محمد بن زياد الكلبي حدثنا العلاء بن برد بن سنان عن الفضل بن حبيب
السراج عن مجالد عن الشعبي عن النضر بن عمرو الحارثي قال إنا كنا في الجاهلية إلى
جانبنا غدير فأرسلت ابنتي بإناء لتأتيني بماء فابطأت علينا وطلبناها فأعيتنا
فأيأسونا منها قال والله إني ذات ليلة جالس بفناء مظلتي إذ طلع على شيخ فلما دنا
مني إذا ابنتي قلت ابنتي قالت نعم ابنتك قلت أين كنت أي بنية قالت أرأيت ليلة
بعثتني إلى الغدير أخذني جني فاستطار بي فلم أزل عنده حتى وقع بينه وبين فريقين من
الجن حرب فإني أعاهد الله إن ظفر بهم أن يردني عليك فظفر بهم فردني عليك فإذا هي
قد شحب لونها وتمرط شعرها وذهب لحمها وأقامت عندنا فصلحت فخطبها بنو عمها فزوجناها
وقد كان الجني جعل بينه وبينها أمارة إذا رابها ريب أن تدخن له وأن ابن عمها ذاك
عيب عليها وقال جنية شيطانة ما أنت بأنسية فدخنت فناداه مناد مالك ولهذه لو كنت
تقدمت إليك لفقأت عينيك رعيتها في الجاهلية بحسبي وفي الإسلام بديني فقال له الرجل
ألا تظهر بنا حتى نراك قال ليس ذاك لنا أن أبانا سأل لنا ثلاثا أن نرى ولا نرى وأن
نكون بين أطباق الثرى وأن يعمر أحدنا حتى تبلغ ركبتاه حنكه ثم يعود فتى قال فقال
يا هذا ألا تصف لي دواء حمى الربع قال بلى قال ما رأيت تلك الدويبة على الماء
كأنها عنكبوت قال بلى قال خذها ثم اشدد على بعض قوائمها خيطا من عهن فشده على عضدك
اليسرى ففعل قال فكأنهما نشط من عقال قال فقال الرجل يا هذا ألا تصف لنا من رجل
يريد ما تريد النساء قال هل ألمت به الرجال قال نعم قال لو لم يفعل وصفت لك وقال
أيضا حدثنا محمد بن عمرو بن الحكم الهروي قال أنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم
الثقفي عن عبد الملك بن عمير عن الشعبي عن زياد بن النضر الحارثي قال كنا في غدير
لنا في الجاهلية ومعنا رجل من الحي يقال له عمرو بن مالك ومعه ابنة له شابة رود
فقال أي بنية خذي هذه الصفحة فأتى الغدير فأتينى من مائه فوفاها عليه جان فاختطفها
فذهب بها فافتقدها أبوها فنادى في الحي فخرجنا على كل صعب وذلول وسلكنا كل شعب
ونقب وطريق فلم نجد لها أثرا فلما كان في زمن عمر بن الخطاب إذا هي قد جاءت قد عفا
شعرها وأظفارها فقام إليها أبوها يلثمها ويقول أي بنية أين كنت وأين نبت بك الأرض
قالت أتذكر ليلة الغدير قال نعم قالت فإنه وافاني عليه جان فاختطفني فذهب بي فلم
أزل فيهم والله ما نال مني محرما حتى إذا جاء الإسلام غزوا قوما مشركين منهم أو
غزاهم قوم مشركون منهم فجعل الله عليه إن هو ظفر وأصحابه أن يردني على أهلي فظفر
هو وأصحابه فحملني فاصبحت وأنا أنظر اليكم وجعل بيني وبينه أمارة إذا احتجت إليه
أن أولول بصوتي قال فأخذوا بشعرها وأظفارها ثم زوجها أبوها شابا من الحي فوقع
بينها وبينه ما يقع بين الرجل وزوجته فقال يا مجنونة إنما نشأت في الجن فولولت
بصوتها فإذا هاتف يهتف بنا يا معشر بني الحارث اجتمعوا وكونوا أحياء كراما قلنا يا
هذا نسمع صوتا ولا نرى شيئا قال أنا رب فلانة رعيتها في الجاهلية بحسبي وحفظتها في
الإسلام بديني والله ما نلت منها محرما قط إني كنت في أرض فلان سمعت نبأة من صوتها
فتركت ما كنت فيه ثم أقبلت فسألتها فقالت عيرني صاحبي أني كنت فيكم قال أما والله
لو كنت تقدمت إليه لفقأت عينيه فتقدموا إليه فقلنا له أي قل اظهر لنا نكافئك فلك
عندنا الجزاء والمكافأة فقال إن أبانا سأل أن نرى ولا نرى وان لا نخرج من تحت
الثرى وأن يعود شيخنا فتى فقالت له عجوز من الحي أي قل بنية لي أصابتها حمى الربع
فهل لنا عندك من دواء فقال على الخبير سقطت انظري إلى ذباب الماء الطويل القوائم
الذي يكون على أفواه الأنهار فخذي سبعة ألوان منهن من اصفره وأحمره وأخضره وأسوده
فاجعليه في وسط ذلك ثم افتليه بين أصبعك ثم اعقديه على عضدها اليسرى ففعلت فكأنما
نشطت من عقال وقال ابن ابي الدنيا حدثني إبراهيم بن عبد الله الهروي أنا هشيم أنا
مجالد عن الشعبي قال عرض جان لإنسان مرة وكان الذي عرض له مسلم فعولج فتركه وتكلم
فقال هل عندك من حمى الربع شيء قال نعم تعمدوا إلى ذباب الماء فتعقد فيه خيطا من
عهن ثم تجعل في عضده فهذا من حمى الربع وقال عبد الله بن محمد القرشي حدثنا الحسن
بن عرفة حدثنا ابراهيم بن سليمان أبو اسماعيل المؤدب عن الأعمش عن زيد بن وهب قال
غزونا فنزلنا في جزيرة وأوقدوا نارا وإذا حجرة كبيرة فقال رجل من القوم إني أرى
حجرة كبيرة فلعلكم تؤذنون من فيها فحولوا نيرانهم فأتى من الليل فقيل له إنك دفعت
عن دارنا وسنعلمك طبا نصيب به خيرا إذا ذكر لك المريض وجعه فما وقع في نفسك أنه
دواء فهو دواء قال وكان يوما في مسجد الكوفة فأتاه رجل عظيم البطن فقال انعت لي
دواء فإني كما ترى إن أكلت وإن لم آكل فقال ألا تعجبون إلى هذا الذي يسألني وهو
يموت في هذا اليوم من ثمار فرجع ثم أتاه عند وفاء ذلك الوقت والناس عنده فقال إن
هذا كذاب فقال سلوه ما فعل وجعه قال ذهب قال أنا خوفته بذلك .
وقال أبو بكر القرشي حدثنا يعقوب ابن عبيد حدثنا علي
بن عاصم عن سوار بن عبد الله عن أبي ياسين قال كنا مع الحسن قعودا في المسجد فقام
فانصرف إلى أهله وقعدنا بعده نتحدث في أصحابه قال ودخل بدوي من بعض أعراب بني سليم
المسجد فجعل يسأل عن الحسن البصري فقلت له أقعد فقعد فقلت ما حاجتك قال إني رجل من
أهل البادية وكان لي أخ من أشد قومه فعرض له بلاء فلما نزل به حتى شددناه في
الحديد فبينا نحن نتحدث في نادينا إذا هاتف يقول السلام عليكم ولا نرى أحدا قال
فرددنا عليهم فقالوا يا هؤلاء إنا جاورناكم فلم نر بجواركم بأسا إن سفيها لنا تعرض
لصاحبكم هذا فأردناه على تركه فأبى فلما رأينا ذلك أحببنا أن نعذر إليكم يا فلان
لأخيه إذا كان يوم كذا وكذا فاجمع قومك وشدوه واستوثقوا منه فإنه إن يغلبكم فلن
تقدروا عليه أبدا ثم احمله على بعير فأت به وادي كذا ثم خذ من بقلة الوادي فرضه ثم
أوجره إياه وإياك أن ينفلت منكم فإنه إن ينفلت لن تقدروا عليه أبدا فاستوثقوا منه
فقلت رحمك الله من يدلني على الوادي وعلى هذا البقل قال إذا كان ذلك اليوم فإنك
تسمع صوتا فاتبع الصوت فلما كان ذلك اليوم جمعت قومي فإذا آخى ليس بالذي كان شدة
وقوة فلم نزل نعالجه حتى استوثقنا منه ثم حملته على بعير فإذا الصوت أمامي إلى فلم
نزل نتبع الصوت وهو يقول إلى إلى فلان استوثقوا منه فإنه إن ينفلت منكم فلن تقدروا
عليه أبدا ثم قال اهبط هذا الوادي وقالوا انخ واستوثقوا منه فإذا صاحبنا ليس بالذي
كان شدة وقوة فاستوثقنا منه فقال يا فلان قم فخذ من هذا البقل فافعل كذا وكذا حتى
فعلنا وهو يقول استوثقوا منه فإنه إن ينفلت فلن تقدروا عليه قال فإذا نحن لا نطيق
صاحبنا فجعل ينادينا استوثقوا منه حتى استوثقنا فلما وقع في جوفه جلا عنا وعن نفسه
وفتح عينيه فأقبل إلينا فقال يا أخي أخبرني ما الذي بلغ من أمري حتى صرت إلى ما
أرى قال قلت يا أخي لا تسألنا قال خلوا سبيله فأطلقوه من الحديد الذي هو فيه قال
فقلت له قد رأيت الذي لقينا منه واخاف أن يذهب على وجهه قال والله لا يعود إليه
إلى يوم القيامة قال فأطلقناه فأقبل على بعد ما أطلقناه فقال يا أخي ما كان من
أمري حتى بلغ بي ما أرى قلت لا تسألني قال خلوا عنه قال قلت رحمك الله أحسنت إلينا
ولكن بقي شيء فأخبرنا به قال ما هو قلت إنك حين قلت لنا ما قلت نذرت لله تعالى إن
عافى أخي أن أحج ماشيا مزموما قال والله إن هذا الشيء ما إن لنا به علم ولكن أدلك
اهبط هذا الوادي فأت البصرة فاسأل عن الحسن بن أبي الحسن فاسأله عن هذا فإنه رجل
صالح قال أبو يس فجئنا إلى باب الحسن فاستأذنت فخرجت الجارية ثم رجعت إليه فقالت
هذا أبو يس بالباب قال قولي له فليدخل فدخلت فإذا هو في غرفة أظنها من قصب وإذا في
الغرفة سرير مرمول بالشريط وإذا الحسن قاعد عليه فسلمت عليه فرد على السلام فقال
يا أبا يس إنما عهدي بك منك منذ ساعة فما حاجتك قلت يا أبا سعيد معي غيري أتأذن له
قال نعم فقال للخادم إئذن له فدخل إليه ثم سلم وقعد معه فقلت أعد حديثك كما حدثتني
فأخذ في أوله والحسن مستقبله إلى قوله ائته أسأله فإنه رجل صالح فبكى الحسن وقال
أما الزمام فمن طاعة الشيطان فلا تزم نفسك وكفر عن يمينك وأما المشي فامش إلى بيت
الله تعالى وأوف بنذرك والله تعالى أعلم
قال ابو سليمان محمد بن عبد الله بن دبرا الرابعي
الحافظ في كتاب العجائب حدثنا أبي حدثنا أبو عبد الله احمد بن علي الدوري أخو سهل
الدوري سمعت أبا ميسرة الحراني يقول اختصمت الجن والإنس إلى محمد بن علاثة القاضي
في بئر بالمدائن فقال ابو عبد الله فسألت أبا ميسرة ظهرت الجن له قال لا ولكنه سمع
كلامهم فحكم للإنس أن يستقوا منها من طلوع الشمس إلى غروب الشمس وحكم للجن أن
يستقوا من غروب الشمس إلى طلوع الفجر قال فكان إذا استقى منها أحد بعد غروب الشمس
رجم بالحجارة
قال أبو بكر بن أبي الدنيا حدثنا داود بن عمر والضبي
حدثنا عباد بن العوام أنبأنا حصين عن مجاهد قال بينا انا ذات ليلة أصلي إذ قام مثل
الغلام بين يدي قال فشددت عليه لآخذه فقام فوثب فوقع خلف الحائط حتى سمعت وقعته
فما عاد إلي بعد ذلك قال مجاهد إنهم يهابونكم كما تهابونهم حدثنا هارون بن عبد
الله البزار حدثنا محمد بن بشر حدثني معسر بن كدام عن شيخ أرى كان يكنى أبا شراعة
قال رآني يحيى ابن الجزار وأنا أهاب أن أدخل زقاقا بالليل فقال لي إن الذي تهاب هو
اشد منك فرقا قال حدثنا اسحاق بن ابراهيم حدثنا محمد بن جابر عن حماد عن مجاهد قال
الشيطان أشد فرقا من أحدكم منه فإن تعرض لكم فلا تفرقوا منه فيركبكم ولكن شدوا
عليه فإنه يذهب والله أعلم الباب الرابع والأربعون في تسخير الجن للإنس وطاعتهم
لهم قال الله تعالى : ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون
عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين . وقال تعالى : وحشر
لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون *
ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه
ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل
وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا * والشياطين كل بناء وغواص وآخرين
مقرنين في الأصفاد.
وقال تعالى : قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل
أن تقوم من مقامك . وفيما قص الله تعالى من أعمال الجن لسليمان عليه السلام
كفاية قوله تعالى: والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين
في الأصفاد . روى ابن أبي حاتم في تفسيره بسنده عن قتادة يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وقال السدي ومن الشياطين كل بناء من البناء الذي يبنى قوله وغواص
قال قتادة غواص يستخرجون الحلي من البحر وقال السدي الغواص الذي يقوم في الماء وآخرين مقرنين في الاصفاد قال قتادة من مردة وقال ابن
عباس في وثاق وقال قتادة مقرنين في الأصفاد من السلاسل في أيديهم مصفودين مسخرين
مع سليمان وقال السدي الأصفاد تجمع اليدين إلى عنقه قوله تعالى “ هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب “ قال السدي امنن
على من شئت منهم فأعتقه وقال ابن عباس قوله “ هذا عطاؤنا
فامنن “ يقول أعتق من الجن من شئت وأمسك منهم من شئت وقال قتادة هؤلاء
الشياطين احبس منهم من شئت في وثاقك هذا أو سرح من شئت منهم فاتخذ عنده يدا اصنع
ما شئت لا حساب عليك في ذلك قال السدي يمن على من يشاء منهم فيعتقه ويمسك من يشاء
منهم فيستخدمه ليس عليه في ذلك حساب ، وقال شاكر في كتاب العجائب حدثنا محمد بن
عمير أبو عزيز حدثنا عمران بن موسى بمكة حدثنا علي بن مهران حدثنا جرير ابن عبد
الحميد عن سفيان بن عبد الله ان عمر بن عبد العزيز سأل موسى ابن نصير أمير المغرب
وكان يبعث في الجيوش حتى بلغ أو سمع وجوب الشمس عن أعجب شيء رآه في البحر فقال
أنتهيت إلى جزيرة من جزائر البحر فإذا نحن ببيت مبني وإذا نحن فيها بسبع عشرة جرة
خضراء مختومة بخاتم سليمان عليه السلام فأمرت بأربع منها فأخرجت وأمرت بواحدة منها
فنقبت فإذا شيطان يقول والذي أكرمك بالنبوة لا أعود بعدها أفسد في الارض ثم نظر
فقال والله ما أرى بها سليمان وملكه فانساخ في الأرض فذهب فأمرت بالبواقي فردت إلى
مكانها وقال أيضا حدثنا عباس ابن الوليد بن مزيد البيروني حدثنا أبي عن موسى بن
نصير وكان يهوديا من أهل الكتاب فأسلم فأمر على المغرب فخرج غازيا في البحر حتى
أتى بحر الظلمة واطلق المراكب على وجوهها تسير قال فسمع شيئا يقرع المراكب فإذا
بحرار خضر مختمة فهاب أن يكسر الخاتم فأمر فأخذ قلة منها ثم رجع فنظرنا فإذا هي
مختمة فقال لبعض اصحابه اقدحوها من اسفلها قال فلما أخذ المقداح القلة صاح صائح لا
والله يا نبي الله لا أعود قال فقال موسى هذا من الشياطين الذين سجنهم سليمان بن
داود ونفذ المقداح في القلة فإذا شخص على رجل المركب فلما نظر إليهم قال أنتم هم
والله لولا نعمتكم على لفرقتكم ، قلت ولى موسى بن نصير غزو البحر لمعاوية وافتتح
الأندلس وجرت له عجائب وقيل لم يسمع في الإسلام بمثل سبايا موسى بن نصير وكثرتهم
والله تعالى أعلم .
قال أبو بكر عبد الله بن محمد حدثنا ابو عثمان سعيد بن
عثمان الجرجاني حدثنا زيد بن الحباب العكلي حدثني عبد المؤمن بن خالد الحنفي من
أهل مرو أنبأنا عبد الله بن بريدة الأسلمي عن أبي الأسود الدؤلي قال قلت لمعاذ بن
جبل أخبرني عن قصة الشيطان حين أخذته فقال جعلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صدقة المسلمين فجعلت الثمر
في غرفة قال فوجدت فيه نقصانا فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال هذا
الشيطان يأخذه فدخلت الغرفة وأغلقت الباب فجاءت ظلمة عظيمة فغشيت الباب ثم تصور في
صورة ثم تصور في صورة أخرى فدخل من شق الباب فشددت إزاري علي فجعل يأكل من الثمر
فوثبت عليه فضبطته فالتفت يداي عليه فقلت يا عدو الله فقال خل عني فإني كبير ذو
عيال وأنا فقير وأنا من جن نصيبين وكانت لنا هذه القرية قبل أن يبعث صاحبكم فلما
بعث أخرجنا منها فخل عني فلن أعود عليك فخليته وجاء جبريل عليه السلام فأخبر رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - بما كان فصلى رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - فنادى مناديه ما فعل
أسيرك فأخبرته فقال أما إنه سيعود فعد قال فدخلت الغرفة وأغلقت على الباب فجاء
فدخل من شق الباب فجعل يأكل من الثمر فصنعت به كما صنعت به في المرة الاولى فقال
خل عني فإني لن أعود إليك فقلت يا عدو الله ألم تقل إنك لن تعود قال فإني لن أعود
وآية ذلك أنه لايقرأ أحد منكم خاتمة البقرة فيدخل أحد منا في بيته تلك الليلة
وساقه في كتاب مكايد الشيطان عن أبي سعيد أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان عن
زيد ابن الحباب.
وقال ابو القاسم الطبراني حدثنا اسماعيل بن الفضل
الاسفاطي حدثنا موسى بن اسماعيل حدثنا ابان بن يزيد عن يحيى بن ابي كثير عن
الحضرمي ابن لاحق عن محمد بن عمرو بن أبي بن كعب عن جده أبي بن كعب أن أباه أخبره
أنه كان له جرن فيه ثمر فكان يتعهده فوجده ينقص فحرسه ذات ليلة فإذا هو بدابة شبه
الغلام المحتلم قال فسلمت عليه فرد علي السلام فقلت ما أنت جني أم إنسي قال جني
قال قلت ناولني يدك فناولني يده فإذا يد كلب وشعر كلب قال فقلت هكذا خلقه الجن قال
لقد علمت الجن ما فيهم أشد مني قلت ما حملك على ما صنعت قال بلغني أنك رجل تحب
الصدقة فأحببنا أن نصيب من طعامك قال فقال له أبي فما الذي يجيرنا منكم قال هذه
الآية التي في سورة البقرة “ الله لا إله إلا هو الحي
القيوم “ من قالها حين يصبح أجير منا حتى يمسي ومن قالها حين يمسي أجير منا
حتى يصبح فلما أصبح أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -
فأخبره فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - صدق
الخبيث وهكذا رواية الحاكم في مستدركه من حديث أبي داود الطيالسي عن حرب بن شداد
عن يحيى بن أبي كثير عن الحضرمي بن لاحق عن محمد بن عمرو بن أبي ابن كعب عن جده به
وفي الصحيح حديث ابي هريرة قال وكلني رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته
فقلت لأرفعنك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فقال أعلمك كلمات ينفعك الله بهن قلت ما هي قال إذا أويت إلى فراشك فاقرا هذه
الآية “ الله لا إله إلا هو الحي القيوم “ حتى ختم
الآية فإنه لن يزال عليك حافظ من الله تعالى ولا يقربك شيطان حتى تصبح فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ما فعل أسيرك الليلة قلت يا
رسول الله علمني شيئا زعم أن الله تعالى ينفعني به قال وما هو قال أمرني أن أقرأ
اية الكرسي إذا أويت إلى فراشي زعم أنه لا يقربني حتى أصبح ولا يزال على من الله
تعالى حافظ قال أما أنه قد صدقك وهو كذوب وقال أبو بكر القرشي في مكايد الشيطان
والهواتف حدثنا اسحاق بن اسماعيل حدثنا اسامة عن اسماعيل بن أبي خالد حدثنا اسحاق
قال خرج زيد ابن ثابت إلى حائط له فسمع فيه جلبة فقال ما هذا قال رجل من الجن
أصابتنا السنة فأردنا أن نصيب من ثماركم أفتطيبونه قال نعم ثم خرج الليلة الثانية
فسمع فيه أيضا جلبة فقال ما هذا قال رجل من الجن أصابتنا السنة فأردنا أن نصيب من
ثماركم أفتطيبونه قال نعم فقال له زيد بن ثابت ألا تخبرني ما الذي يعيذنا منكم قال
آية الكرسي وقال أيضا حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثني علي بن عثمان اللاحقي
حدثني عبيدة بنت الوليد بن مسلم عن الوليد ابيها أن رجلا أتى شجرة أو نخلة فسمع
فيها حركة فتكلم فلم يجب فقرأ آية الكرسي فنزل إليه شيطان فقال إن لنا مريضا فبم
تداويه قال بالذي أنزلتني به من الشجرة وقال أبو عبد الرحمن بن المنذر في كتاب
العجائب حدثنا محمد بن عمران ابن حبيب البزار حدثنا القاسم بن الحكم حدثنا حمزة بن
حبيب الزيات قال بينا أنا يحلوان في خان وحدي إذا أنا بشيطانين قد أقبلا فقال
أحدهما لصاحبه هذا الذي يقرئ الناس القرآن تعال نفعل به كذا وكذا قال ويلك مر قال
فلما دنوا مني قرأت هذه الآية “ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا
العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم “ فقال أحدهما لصاحبه لا أرغم
الله إلا بأنفك أما انا فلا أزال أحرسه إلى الصباح
وقال ابن أبي الدنيا في كتاب الهواتف حدثني إبراهيم بن
محمد حدثني الحسن بن عروة حدثني ابي عروة بن زيد عن ابي الاشم العبدي ولقيته
بالموصل قال خرج رجل في جوف الليل إلى ظهر الكوفة فإذا هو بشيء كهيئة العريش وإذا
حوله جمع قد أحدقوا به قال فكمن الرجل ينظر اليهم إذ جاء شيء حتى جلس على ذلك
العريش فقال والرجل يسمع كيف لي بعروة بن المغيرة فقام شخص من ذلك الجمع فقال انا
لك به فقال على به الساعة قال فتوجه نحو المدينة قال فمكث مليا ثم جاء حتى وقف بين
يديه فقال ليس إلى عروة سبيل فقال الذي على العريش ولمه قال لأنه يقول كلاما حين
يصبح وحين يمسي فليس إليه سبيل فتفرق ذلك الجمع وانصرف الرجل إلى منزله فلما اصبح
غدا إلى الكناس واشترى جملا ثم مضى حتى أتى المدينة فلقي عروة بن المغيرة فسأله عن
الكلام الذي يقوله حين يصبح وحين يمسى وقص عليه القصة فقال إني أقول حين أصبح وحين
أمسي آمنت بالله وحده وكفرت بالجبت والطاغوت واستمسكت بالعروة الوثقى لا انفصام
لها والله سميع عليم ثلاث مرات وقال في مكايد الشيطان حدثني الحسن بن عبد العزيز
الجروي حدثنا الحارث بن مسكين حدثنا ابن وهب حدثنا عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم قال
قدم رجلان من اشجع إلى عروس لهما حتى إذا كانا من ناحية بموضع ذكره إذا بامرأة
قالت ما تريدان قالا عروسا لنا نجهزها قالت إن لي بأمرها كله علما فإذا فرغتما
فمرا علي فلما فرغا مرا عليها قالت فإني متعتكا فحملاها على أحد بعير بعيريهما
وجعلا يتعقبان الآخر
حتى أتوا كثيبا من الرمل فقالت إن لي حاجة فأناخا بها
فانتظراها ساعة فابطأت فذهب احدهما في اثرها فأبطأ قال فخرجت أطلب فإذا أنا بها
على بطنه تأكل كبده فلما رأيت ذلك رجعت فركبت وأخذت طريقا واسرعت فاعترضت لي فقالت
لقد اسرعت قلت رأيتك أبطأت فاركبي فرأتني ازفر فقالت مالك قلت إن بين ايدينا
سلطانا ظالما جائرا قالت أفلا أخبرك بدعاء إن دعوت به عليه أهلكته وآخذ لك حقك منه
قلت ما هو قال قل اللهم رب السموات وما أظلت ورب الارضين وما أقلت ورب الرياح وما
أذرت ورب الشياطين وما أضلت أنت المنان بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام
تأخذ للمظلوم من الظالم حقه فخذ لي حقي من فلان فإنه ظلمني قلت فرديها على فجعلت
تردها على حتى إذا أحصاها دعا بها عليها قال اللهم إنها ظلمتني وأكلت أخي قال
فنزلت نار من السماء في سوأتها فشقتها باثنتين فوقعت شقة ههنا وشقة ههنا قال وهي
السعلى تأكل الناس وأما الغول فمن الجن تبطل وتلعب بالناس وتضرط وتلعب بالناس لا
تزيد على ذلك.
وقال في مكايد الشيطان حدثنا عبد الملك بن إبراهيم
البارودي حدثنا معاوية بن هشام القصار حدثنا سفيان عن ابن ابي ليلى عن أبي ايوب
الانصاري قال قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم -
إن الغول تدخل على من سهوة لي قال إذا رأيتها فقل أجيبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال فرأيتها فأخذتها فخدعتني
وقالت لا أعود فخليتها فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم
- فقال ما فعل أسيرك فقلت أختها حلفت لي أن لا تعود فقال كذبت ستعود فعد
قال فأخذتها فحلفت أن لا تعود فخليتها فأتيت النبي - صلى
الله عليه وسلم - فقال ما فعل أسيرك فقلت أخذتها فحلفت أن لا تعود فخليتها
قال كذبت ستعود فعادت فأخذتها فقالت خل عني وأخبرك بشيء إذا قلته لم يقربك شيطان
فخليتها فقالت اقرأ آية الكرسي قال فأتيت النبي - صلى
الله عليه وسلم - فقال ما فعل أسيرك فأخبرته فقال صدقت وهي كذوب ورواه
الإمام أحمد عن أبي احمد الزبيري عن سفيان نحوه ورواه الترمذي في فضائل القرآن عن
أبي أحمد الزبيري به وقال حسن غريب والغول في لغة العرب هو الجان إذا تبدى في
الليل حدثنا إبراهيم بن عبد الله الهروي قال حدثنا عبد الله بن عثمان ابن اسحاق
قال سمعت من أب أمي مالك بن حمزة بن أبي أسيد عن أبيه عن جده أبي أسيد الساعدي
الخزرجي أنه قطع ثمرة حائطه فجعله في غرفة فكانت الغول تخالفه إلى مشربته فتسرق
ثمره وتفسد عليه فشكا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه
وسلم - فقال تلك الغول فاستمع منها فإذا سمعت اقتحامها قال يعني وجبها فقل
باسم الله أجيبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ففعل فقالت يا أبا أسيد اعفني ان تكلفني اذهب إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وأعطيك موثقا من الله تعالى لا
أخالفك إلى بيتك ولااسرق ثمرك وأدلك على آية تقرؤها على بيتك فلا تخالف أهلك
وتقرؤها على إناثك فلا يكشف غطاؤه قال فأعطته الموثق الذي رضي به منها وقال الآية
التي قالت أدلك عليها آية الكرسي ثم حلت استها تضرط فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقص عليه قصتها حين ولت ولها
ضريط قال صدقت وهي كذوب وسيأتي إن شاء الله تعالى في الباب الرابع والثلاثين بعد
المائة في بيان فرار الشيطان من عمر حديث الذي صرعه عمر وفيه قول الشيطان للمصروع
اقرا سورة البقرة لأنه ليس منها أية تقرأ في وسط شياطين الا تفرقوا ولا تقرأ في
بيت فيدخل ذلك البيت قال ابن أبي الدنيا حدثت عن اسحاق بن ابراهيم حدثني محمد بن
منيب عن السري بن يحيى عن أبي المنذر قال حججنا فنزلنا في أصل جبل عظيم فزعم الناس
أن الجن تسكنه فإذا شيخ قد أقبل من الماء فقلت يا ابا شمير ما تذكرون من جبلكم هذا
هل رأيت من ذلك شيئا قط قال نعم أخذت يوما قوسا لي وأسهما فصعدت الجبل على وجل
فابتنيت بيتا من شجرة عند عين من ماء فمكثت فيه فإذا الأروى قد أقبلت نزيل لا تخاف
شيئا فشربت من تلك العين وربضت حولها فرميت كبشا منها فما أخطأت قلبه فصاح صائح
فما بقي في الجبل شيء إلا ذهب يعدو على خياله قد أخيف ذعيرا أو ردها حبس الطير على
أبي شمير فوق له سهما مثل السير أبيض براق العين فقتل فداء عد بن الاصبغ فقال له
قائل ويلك الا تقتله قال ويلك لا استطيع قال ويلك لمه قال لأنه تعوذ بالله حين
أسند إلى الجبل فلما سمعت بذلك اطمأننت والله تعالى أعلم
وذلك في عشر حروز
أحدها الاستعاذة بالله منه قال الله تعالى : وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم
. وفي موضع آخر : وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ
بالله إنه سميع عليم. وفي الصحيح أن رجلين استبا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أحمر وجه أحدهما فقال - صلى الله عليه وسلم - إني لأعلم كلم لو قالها لذهب
عنه ما يجد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الثاني قراءة المعوذتين روى الترمذي من حديث الجريري
عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال كان رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان فلما نزلت أخذ
بهما وترك ما سواهما قال الترمذي هو حديث حسن غريب
الثالث قراءة آية الكرسي ففي الصحيح من حديث محمد بن
سيرين عن أبي هريرة قال وكلني رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - بحفظ زكاة رمضان فآتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك
إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر
الحديث فقال إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال عليك من الله حافظ ولا
يقربك شيطان حتى تصبح فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -
صدقك وهو كذوب ذاك الشيطان
الرابع قراءة سورة البقرة ففي الصحيح من حديث سهيل عن
أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال لا تجعلوا بيوتكم قبورا وإن البيت الذي تقرأ فيه البقرة لا يقربه الشيطان
الخامس خاتمة سورة البقرة فقد ثبت في الصحيح من حديث
أبي مسعود الأنصاري قال قال رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه وروى الترمذي من
حديث النعمان بن بشير عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق الخلق بألفي عام أنزل منه آيتين ختم بهما سورة
البقرة فلا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقر بها شيطان
السادس أول سورة حم المؤمن إلى قوله “ إليه المصير “
مع آية الكرسي ففي الترمذي من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي مليكة عن زرارة
بن مصعب عن سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - من قرأ حم المؤمن إلى قوله “ إليه المصير “ وآية الكرسي
حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي ومن قرآهما حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح وعبد الرحمن
المليكي وإن كان قد تكلم فيه من قبل حفظه فالحديث له شواهد في قراءة آية الكرسي
السابع لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله
الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة ففي الصحيح من حديث سمرة مولى أبي بكر عن أبي
صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له
له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له
مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم
يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك
الثامن كثرة ذكر الله عز وجل ففي الترمذي من حديث الحارث
الأشعري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إن
الله تعالى أمر يحيى بن زكريا عليه السلام بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني
إسرائيل ان يعملوا بها وأنه كاد ان يبطئ بها قال عيسى إن الله أمرك بخمس كلمات
لتعمل بها وتأمر بني اسرائيل أن يعملوا بها فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم فقال
يحيى عليه السلام أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذب فجمع الناس في بيت المقدس
فامتلأ فقعدوا على الشرف فقال إن الله أمرني بخمس كلمات ان أعمل بهن وآمركم أن
تعملوا بهن أولهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأن مثل من اشرك بالله كمثل
رجل أشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق فقال هذه داري وهذا عملي فاعمل وأد إلى
فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك وإن الله آمركم
بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله تعالى ينصب وجهه بوجه عبده في صلاته ما
لم يلتفت وآمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك وكلهم
يعجب أو يعجبه ريحها فإن ريح الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك وآمركم
بالصدقة فإن مثل ذلك كمثل رجل أمسكوه فأوثقوا يده إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه
فقال أنا أفديه منكم بالقليل والكثير ففدى نفسه منهم وأمركم أن تذكروا الله تعالى
فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعا حتى أتى على حصن حصين فأحرس نفسه
منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا آمركم بخمس الله تعالى
أمرني بهن السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة فإنه من فارق الجماعة قيد شبر
فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع ومن دعا دعوى الجاهلية فإنه من جثا
جهنم
فقال رجل يا رسول الله وإن صام وصلى قال وإن صام وصلى
فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله قال الترمذي هذا حديث حسن
صحيح وقال البخاري الحارث الأشعري له صحبة وله غير هذا الحديث
التاسع الوضوء والصلاة وهما من أعظم ما يتحرز به لا
سيما عند ثوران قوة الغضب والشهوة فإنها نار تغلي في قلب ابن آدم كما روى الترمذي
وغيره من حديث ابي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه
وسلم - قال ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم إلى حمرة عينيه
وانتفاخ أوداجه فمن أحس بشيء من ذلك فليلصق في الأرض وفي أثر آخر أن الشيطان خلق
من نار وانما تطفئ النار بالماء وفي السنن قال - صلى
الله عليه وسلم - إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان من النار وإنما تطفئ
النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ
العاشر إمساك فضول النظر والكلام والطعام ومخالطة
الناس فإن الشيطان إنما يتسلط على ابن آدم من هذه الأبواب الأربعة ففي مسند الإمام
أحمد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال
النظرة سهم مسموم من سهام إبليس فمن غض بصره لله عز وجل أورثه الله حلاوة يجدها في
قلبه إلى يوم يلقاه والله تعالى أعلم أ ه
قال ابن أبي الدنيا حدثني محمد بن الحسين حدثني يحيى
ابن اسحاق البجلي وحاتم بن أبي حوثرة عن ابن لهيعة عن قيس بن الحجاج قال قال
شيطاني دخلت فيك وأنا مثل الجزور وأنا فيك اليوم مثل العصفور قال قلت ولم ذاك قال
تذيبني بكتاب الله عز وجل حدثني محمد بن الحسين حدثني خلف بن تميم حدثنا أبو
الأحوص عن أبي اسحاق عن أبي الأخوص عن عبد الله قال شيطان المؤمن مهزول.
حدثني محمد بن الحسين حدثني مجاعة بن ثابت ويحيى بن
اسحاق قالا حدثنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن المؤمن يضنى شيطانه كما يضني
أحدكم بعيره في السفر حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا عبد الله بن نمير عن الأعمش عن
مالك بن الحارث عن أبي خالد الوالبي قال خرجت وافدا إلى عمر رحمه الله ومعي أهلي
فنزلنا منزلا وأهلي خلفي فسمعت أصوات الغلمان وجلبتهم فرفعت صوتي بالقرآن فسمعت
وجبة شيء طرح فسألتهم فقالوا أخذتنا الشياطين فلعبت بنا فلما رفعت صوتك بالقرآن
ألقونا وذهبوا.
حكى ابن عقيل في الفنون قال كان عندنا بالظفرية يعني
من بغداد دار كلما سكنها ناس أصبحوا مولى فجاء مرة رجل مقرئ فاكتراها وارتقبناها
فبات بها واصبح سالما فتعجب الجيران فأقام مدة ثم انتقل فسئل فقال لما بت بها صليت
بها العشاء وقرأت شيئا من القرآن وإذا شاب قد صعد من البئر فسلم على فبهت فقال لا
بأس عليك علمني شيئا من القرآن فشرعت أعلمه ثم قلت هذه الدار كيف حديثها قال نحن
جن مسلمون نقرأ ونصلي وهذه الدار ما يكثر بها إلا الفساق فيجتمعون على الخمر
فنخنقهم قلت ففي الليل أخافك فتجئ نهارا قال نعم قال وكان يصعد من البئر بالنهار
وألفته فبينما هو يقرأ إذا بمعزم في الدرب يقول المرقى من الدبيب ومن العين ومن
الجن فقال أي شيء هذا قلت معزم قال أطلبه فقمت وأدخلته فإذا أنا بالجني قد صار
ثعبانا في السقف فعزم الرجل فما زال الثعبان يتدلى حتى سقط في وسط المندل فقام
ليأخذه ويضعه في الذنبيل فمنعته فقال أتمنعني من صيدي فأعطيته دينارا وراح فانتفض
الثعبان وخرج الجني وقد ضعف ونحل واصفر وذاب فقلت مالك قال قتلني هذا بهذه
الإسلامي وما أظني أقلح فاجعل بالك متى سمعت في البئر صراخا فانهزم قال فسمعت في
الليل النعي فانهزمت قال ابن عقيل وامتنع أحد أن يسكن تلك الدار بعدها والله أعلم
كفار الجن وشياطينهم يختارون الكفر والشرك ومعاصي الرب
وإبليس وجنوده من الشياطين يشتهون الشر ويكيدون به ويطلبونه ويحرصون عليه يقتضى
خبث أنفسهم وإن كان موجبا لعذابهم وعذاب من يغوونه كما قال إبليس “ فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين “ وقال
“ أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة
لأحتنكن ذريته إلا قليلا “ وقال تعالى “ ولقد صدق
عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين “
والإنسان إذا فسدت نفسه أو مزاحه يشتهى ما يضره ويلتذ
به بل يعشق ذلك عشقا يفسد عقله ودينه وخلقه وبدنه وماله والشيطان هو نفسه خبيث
فإذا تقرب صاحب العزائم والأقسام وكتب الروحانيات السحرية وأمثال ذلك إليهم بما
يحبونه من الكفر والشرك صار ذلك كالرشوة والبرطيل لهم فيقضون بعض أغراضه كمن يعطى
غيره مالا ليقتل له من يريد قتله أو يعينه على فاحشة أو ينال معه فاحشة ولهذا كثير
من هذه الأمور يكتبون فيها كلام الله تعالى بالنجاسة وقد يقلبون حروف “ قل هو الله أحد “ أو غيرها بنجاسة إما دم وإما غيره وإما
بغير نجاسة ويكتبون غير ذلك مما يرضاه الشيطان أو يتكلمون بذلك فإذا قالوا أو
كتبوا ما ترضاه الشياطين أعانتهم على بعض أغراضهم إما تغوير ماء من المياه وإما أن
يحمل في الهواء إلى بعض الأمكنة وإما أن يأتيه بمال من أموال بعض الناس كما تسرقه
الشياطين من أموال الخائنين ومن لم يذكر اسم الله عليه ويأتى به وإما غير ذلك ولو
سقنا في كل نوع من هذه الأنواع من الأمور المعينة ومن وقعت له ممن عرفناه ومن لم
نعرفه لطال ذلك جدا قال محمد بن اسحاق النديم في كتاب الفهرست في أخبار العلماء
وأسماء ما صنفوه من الكتب في الفن الثاني من المقالة الثامنة زعم المعزمون والسحرة
أن الشياطين والجن والارواح تطيعهم وتخدمهم وتتصرف بين أمرهم ونهيهم فأما المعزمون
ممن ينتحل الشرائع فزعم أن ذلك يكون بطاعة الله جل اسمه والابتهال اليه والإقسام
على الأرواح والشياطين به وترك الشهوات ولزوم العبادات وأن الجن والشياطين
يطيعونهم إما طاعة لله جل اسمه لأجل الإقسام به وإما مخافة منه تبارك وتعالى ولأن
في خاصية اسمائه وذكره قمعهم وإذلالهم فأما السحرة فإنها زعمت أنها تستعبد
الشياطين بالقرابين والمعاصي وارتكاب المحضورات مما لله عز وجل في تركها رضا
وللشياطين في استعمالها رضا مثل ترك الصلاة والصوم وإباحات الدماء ونكاح ذوات
المحارم وغير ذلك من الأفعال البشرية قال محمد بن اسحاق فأما الطريقة المذمومة وهي
طريقة السحرة فزعم من يجيز ذلك أن مدخ بنت إبليس وقيل هي بنت ابن إبليس لها عرش
على الماء وأن المريد لهذا الأمر متى فعل لها ما تريد وصل إليها وأخدمته من يريد
وقضت حوائجه ولم يحتجب عنها والذي يفعل لها القرابين من حيوان ناطق وغير ناطق وان
يدع المفترضات ويستعمل كل ما يقبح في العقل استعماله وقد قيل أيضا مدح هو إبليس
نفسه وقال آخر إن مدخ تجلس على عرشها فيحمل إليها المريد لطاعتها فيسجد لها قال
محمد بن اسحاق النديم قال لي إنسان منهم إنه رآها في النوم جالسة على هيئتها في
اليقظة وأنه رأى حولها قوما يشبهون الزط سوادية حفاة مشققي الأعقاب وقال رأيت من
جملتهم ابن منذريني وهذا رجل من أكابر السحرة قريب العهد واسمه أحمد بن جعفر غلام
ابن زريق وكان يناطق من تحت الطست
وقال الشيخ ابو العباس احمد بن تيمية بعد ما حكى قريبا
من هذا والذين يستخدمون الجن بهذه الأمور يزعم كثير منهم أن سليمان كان يستخدم
الجن بهذه الأمور فإنه قد ذكر غير واحد من علماء السلف أن سليمان عليه الصلاة
والسلام لما مات كتبت الشياطين كتب سحر وكفر وجعلتها تحت كرسيه وقالوا كان سليمان
عليه الصلاة والسلام يعمل ليستخدم الجن بهذه فطعن طائفة من أهل الكتاب في سليمان
عليه الصلاة والسلام بهذا السبب وآخرون قالوا لولا أن هذا حق جائز لما فعله سليمان
عليه الصلاة والسلام فضل الفريقان هؤلاء بقدحهم في سليمان عليه الصلاة والسلام
وهؤلاء باتباعهم السحر فأنزل الله تعالى في ذلك قوله تعالى “ ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين
أوتوا الكتاب “ إلى قوله “ لو كانوا يعلمون
“ فبين الله تعالى أن هذا يضر ولا ينفع إذ كان النفع هو الخير الخالص أو الراجح
والضرر هو الشر الخالص أو الراجح وشر هذا إما خالص أو راجح
فصل قال محمد بن اسحاق يقال والله اعلم إن سليمان بن
داود أول من استعبد الجن والشياطين واستخدمها وقيل أول من استعبدها على مذاهب
الفرس حمشيد بن أويخهان قال وكان يكتب لسليمان بن داود عليه الصلاة والسلام وممن
استعبدهم آصف بن برخيان ويوسف بن عيصو والهرمزان بن الكردول والذي فتح هذا الأمر
في الإسلام أبو نصر أحمد بن هلال البكيل وهلال بن وصيف وكان مخدوما ومناطقا له وله
أفعال عجيبة وأعمال حسنة وخواتيم مجربة وله من الكتب كتاب الروح المتلاشية وكتاب
المفاخرة في الأعمال وكتاب تفسير ما قالته الشياطين لسليمان بن داود عليهما الصلاة
والسلام وما أخذ عليهم من العهود ومن المعزمين الذين يعملون بأسماء الله تعالى رجل
يعرف بابن الإمام وكان في أيام المعتضد وطريقته محمودة غير مذمومة ومنهم عبد الله
بن هلال وصالح المدري وعقبة الأدرعي وأبو خالد الخراساني هؤلاء بالطريقة المحمودة
ولهم أفعال جليلة وأعمال نبيلة.
قلت هذا الذي قاله النديم من أن عبد الله بن هلال كان
يعمل بالطريقة المحمودة غير صحيح فقد كان عبد الله بن هلال رجلا فاجرا زنديقا يترك
الصلاة تقربا إلى إبليس لعنهما الله تعالى ويأمر الشياطين فتلعب ببني آدم ويجمع
بين الرجال والنساء في الحرام ويدل على ذلك ما ذكره أبو عبد الرحمن الهروي في كتاب
العجائب فقال حدثنا يحيى بن علي ابن حسن بن حمدان بن مزيد بن معاوية السعدي قال
حدثني أحمد بن عبد الملك قال جاء رجل إلى عبد الله بن هلال الكوفي وكان صديقا
لإبليس وكان يترك له صلاة العصر وكانت حوائجه عنده مقضية قال فجاء رجل فقال إن لي
جارا غنيا ومن أحسن الناس صنيعا لي وله ابنة حسناء فأنا أحسده فأحب أن تكتب لي إلى
إبليس حتى يبعث شيطانا فيخطبها قال فكتب إلى إبليس إن أحببت أن تنظر إلى من هو شر
مني ومنك فانظر إلى حامل كتابي هذا واقض حاجته ثم قال سر إلى موضع كذا وكذا إن خط
حولك خطة فإذا جاءك صاحبك فأره الكتاب من بعيد قال ففعل وجعل الشياطين يمرون به
حتى جاء شيخ على سرير وأربعة يحملونه قال فلما نظر إليه من بعيد رفع الكتاب فأمر
إبليس بالكتاب فأخذ فلما نظر إلى عنوانه قبله ووضعه على رأسه فلما قرأ الكتاب صرخ
صرخة رجع إليه من كان قبله ولحقه من كان خلفه فقالوا مالك يا سيدنا قال هذا كتاب
صديقي يقول فيه إن أحببت أن تنظر إلى من هو شر مني ومنك فانظر إلى حامل كتابي هذا
واقض حاجته هاتوا شيطانا أصم أعمى أبكم ووجهوه إلى بيت ذلك الرجل ليخطبها ففعلوا فإن
كانت هذه الطريقة هي المحمودة عند النديم فليت شعري ماذا عنده الذميم قال الحجاج
يوما لعمرو بن سعيد ابن العاص اخبرني عبد الله بن هلال صديق إبليس أنك تشبه إبليس
قال وما ينكر الأمير أن يكون سيد الإنس يشبه سيد الجن فعجب من قوة جوابه
فصل قال الشيخ أبو العباس أهل العزائم والإقسام يقسمون
على بعض الجن ليعينهم على بعض فتارة يبرون قسمه وكثيرا لا يفعلون ذلك بان يكون ذلك
الجن معظما عندهم وليس للمعزم وعزيمته من الجبرية ما يقتضي إعانتهم على ذلك إذ كان
المعزم قد يكون بمنزلة الذي يحلف غيره ويقسم عليه بمن يعظمه وهذا تختلف أحواله فمن
أقسم على الناس ليؤذوا من هو عظيم عندهم لم يلتفتوا إليه وقد يكون ذلك منيعا
فأحوالهم شبيهة بأحوال الإنس ولكن الإنس أعقل وأصدق وأعدل وأوفى بالعهد والجن أجهل
وأكذب وأظلم وأغدر فالمقصود أن أرباب العزائم مع عون عزائمهم تشتمل على شرك وكفر
لا تجوز العزيمة به والقسم فهم كثيرا يعجزون عن دفع الجني وكثيرا ما تسخر منهم
الجن إذا طلبوا منهم قتل الجني الصارع للإنسي أو حبسه فيخيلون إليهم أنهم قتلوه أو
حبسوه ويكون ذلك تخييلا وكذبا هذا إذا كان يرى ما يخيلونه صادقا الرؤية فإن عامة
ما يعرفونه لمن يريدون تعريفه إما بالمكاشفة والمخاطبة إن كان من جنس عباد
المشركين وأهل الكتاب ومبتدعة المسلمين الذين تصلهم الجن والشياطين وإما بما
يظهرونه لأهل العزائم والإقسام أنهم يمثلون ما يريدون تعزيمه فإذا أراه المثال
أخبر عن ذلك وقد يعرف أنه مثال وقد يوهمونه أنه نفس المرئي وإذا أرادوا سماع كلام
من يناديه من مكان بعيد مثل من يستغيث ببعض العباد الصالحين من المشركين وأهل
الكتاب وأهل الجهل من عباد المسلمين إذا استغاث به بعض محبيه فقال يا سيدي فلان
فإن الجني يخاطبه بمثل صوت ذلك الإنسي فإن رد الشيخ عليه الخطاب أجاب ذلك الإنسي
بمثل ذلك الصوت قال الشيخ أبو العباس وهذا وقع لعدد كثير أعرف منهم طائفة وكثيرا
ما يتصور الشيطان بصورة المدعو المنادي المستغاث به إذا كان ميتا وكذلك قد يكون
حيا ولا يشعر بالذي ناداه بل يتصور الشيطان بصورته فيظن المشرك الضال المستغيث
بذلك الشخص أن الشخص نفسه أجابه وإنما هو الشيطان وهذا يقع للكفار المستغيثين بمن
يحسنون به الظن من الأموات والأحياء كالنصارى المستغيثين بجرجس وغيره من قداديسهم
ويقع لأهل الشرك والضلال الذين يستغيثون بالموتى والغائبين يتصور لهم الشيطان في
صورة ذلك المستغاث به وهو لا يشعر قال أبو العباس وأعرف عددا كثيرا وقع لهم في عدة
أشخاص يقول لي كل من الأشخاص إني لم أعرف أن هذا المستغاث به والمستغيث قد رأى ذلك
الذي هو على صورة هذا وما اعتقد أنه إلا هذا وذكر لي غير واحد أنهم استغاثوا بي كل
يذكر قصة غير قصة صاحبه فأخبرت كلا منهم أني لم أجب أحدا منهم ولا علمت باستغاثته
فقيل فيكون ملكا فقلت الملك لا يغيث مشركا إنما هو شيطان اراد ان يضله وكذلك يتصور
بصورته ويقف بعرفات ليظن من يحسن به الظن أنه وقف بعرفات وكثير منهم يحمله الشيطان
إلى عرفات أو غيرها من الحرم فيتجاوز الميقات بلا إحرام ولا تلبية ولا يطوف بالبيت
ولا بالصفا والمروة وفيهم من لا يعبر مكة وفيهم من يقف بعرفات ويرجع ولا يرمي
الجمار إلى أمثال ذلك من الأمور التي يضرهم بها الشيطان حيث فعلوا ما هو منهي عنه
في الشرع إما محرم أو مكروه ليس بواجب ولا مستحب وقد زين لهم الشيطان أن هذا من
كرامات الصالحين وهو من تلبيس الشيطان فإن الله لا يعبد إلا بما هو واجب ومستحب
وكل من عبد عبادة ليست واجبة ولا مستحبة وظنها واجبة أو مستحبة فإنما زين له
الشيطان ذلك والله اعلم
فصل يجوز أن يكتب للمصاب وغيره من المرضى شيء من كتاب
الله عز وجل وذكره بالمداد المباح ويغسل ويسقي كما نص ذلك الإمام أحمد وغيره واحتج
بما رواه بإسناده عن ابن عباس أنه كان يكتب لمن أصابها الطلق كلمات الكرب وآيتين
من كتاب الله عز وجل تناسب الحال يكتب لا إله إلا الله العظيم الحليم “ سبحان الله
رب العرش العظيم “ “ الحمد لله رب العالمين “ “ كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها “ “ كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل
يهلك إلا القوم الفاسقون “
قلت قدمنا في الباب الأول استطرادا أن عامة ما بأيدي
الناس من العزائم والطلاسم والرقي لا تفقه بالعربية معناها ولهذا نهى علماء
المسلمين عن الرقي غير المفهومة المعنى لأنها مظنة الشرك وإن لم يعرف الراقي أنها
شرك ومن رتع حول الحمى أو شك أن يقع فيه وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رخص في الرقي ما لم يكن
شركا وقال من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل وفي التطبب والاستشفاء بكتاب الله عز وجل
غنى تام ومقنع عام وهو النور والشفاء لما في الصدور والوقاء الدافع لكل محذور
والرحمة للمؤمنين من الأحياء وأهل القبور وفقنا الله لإدراك معانيه وأوقفنا عند
أوامره ونواهيه ومن تدبر من آيات الكتاب من ذوي الألباب وقف على الدواء الشافي كل
داء مواف سوى الموت الذي هو غاية كل حي فإن الله تعالى يقول “ ما فرطنا في الكتاب من شيء “ وخواص الآيات والأذكار لا
ينكرها إلا من عقيدته واهية ولكن لا يعقلها إلا العالمون لأنه تذكرة وتعيها اذن
واعية والله الهادي للحق
قال عبد الله بن محمد بن عبيد حدثني عبيد الله بن جرير
العتكي حدثنا الوليد بن هشام الحذمي قال كان عبيد بن الأبرص وأصحاب له في سفر
فمروا بحية وهي تتقلب في الرمضاء وتلهث عطشا فهم بعضهم بقتلها فقال عبيد هي إلى من
يصب عليها نقطة من ماء أحوج قال فنزل فصبه عليها قال فمضوا فأصابهم ضلال شديد حتى
ذهبت عنهم الطريق فبيناهم كذلك فإذا هاتف يهتف
يا أيها الركب المضل مذهبه
دونك هذا اليكن منا فاركبه
حتى إذا الليل تولى مغربه
وسطع الفجر ولاح كوكبه
فخل عنه رحله وسبسبه
قال فسار به من الليل حتى طلع الفجر مسيرة عشرة
بلياليهن فقال عبيد بن الأبرص ك
يا أيها البكر قد أنجبت من غمر
ومن فيافي تضل الراكب الهادي
هلا تخبرنا بالحق نعرفه
من الذي جاد بالنعماء في الوادي
فقال مجيبا له :
أنا الشجاع الذي أبصرته رمضا
في ضحضح نازح يسرى به صادي
فجدت بالماء لما ضن شاربه
رويت منه ولم تبخل بإنجاد
الخير يبقى وإن طال الزمان به
والشر أخبث ما أوعيت من زاد
ويدخل في هذا عدة آثار متفرقة في مواضعها من هذا
الكتاب منها قصة مالك بن خريم وهي مذكورة في الباب الموفي ستين أن الظباء ماشية
الجن قال ابن أبي الدنيا حدثني اسماعيل بن إبراهيم الهاشمي حدثني المريمي قال كنت
أقنص الحمر فخرجت ذات يوم فبنيت كوخا في الموضع الذي ترده للشرب فلما وردت شددت
سهما فإذا انا بهاتف يقول يا منهلة حمرك فنفرت الحمر كلها فانصرفت ومعي جارية لي
يقال لها مرجانة وحماران فشددتهما من وراء الحبل وفوقت سهمي وجلست أرقبهما فلما
طلعت الحمر لم أجنح إلى تلبث فرميتها فصرعت حمارا منها ثم قلت
قد فقدت حمارها منهلة ، أتبعتها
سيحلة منسلة ، كذنب النحلة يعلو الجلة
قال فأجابني مجيب :
قد فقدت حمارها مرجانة ،
أتبعتها سيحلة خسانة ، في قبضة عسراء في سريانة
فقالت الجارية يا مولاي قد مات والله أحد الحمارين
ويدخل هنا قصة جمل اليتامى وهي مذكورة في الظباء والله أعلم
قال الشيخ أبو العباس رحمه الله صرع الجن للإنس قد يكون
عن شهوة وهوى وعشق كما يتفق للإنس مع الجن وقد يتناكح الإنس والجن ويولد بينهما
ولد وهذا كثير معروف وقد ذكر العلماء ذلك وتكلموا عليه وقد يكون وهو كثير والأكثر
عن بغض ومجازاه مثل أن يؤذيهم بعض الإنس أو يظنوا أنهم يتعمدون آذاهم إما ببول على
بعضهم وإما بصب ماء حار وإما بقتل بعضهم وان كان الإنس لا تعرف ذلك وفي الجن ظلم
وجهل فيعاقبونه بأكثر مما يستحقه وقد يكون عن عبث منهم وشر ميل سفهاء الإنس وحينئذ
فما كان من الباب الأول فهو من الفواحش التي حرمها الله تعالى كما حرم ذلك على
الإنس وان كان برضا الآخر فكيف إذا كان مع كراهته فإنه فاحشة وظلم يخاطب الجن بذلك
ويعرفون أن هذا فاحشة محرمة لتقوم عليهم الحجة بذلك يعلموا بأنه يحكم فيهم بحكم
الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - الذي أرسله
إلى جميع الثقلين الإنس والجن وما كان من القسم الثاني فإن كان الإنسي لم يعلم
فيخاطبون بأن هذا لم يعلم ومن لم يتعمد الأذى ولم يستحق العقوبة وإن كان قد فعل
ذلك في داره وملكه عرفوا بأن الدار ملكه فله أن يتصرف فيها بما يجوز وأنتم ليس لكم
أن تمكثوا في ملك الإنس بغير إذنهم بل لكم ما ليس من مساكن الإنس كالخراب والفلوات
ولهذا يوجدون كثيرا في الخراب والفلوات ويوجدون في مواضع النجاسات كالحمامات
والحشوش والمزابل والقمامين والمقابر والمقصود أن الجن إذا اعتدوا على الإنس
اخبروا بحكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -
وأقيمت عليهم الحجة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر كما يفعل بالإنس لأن الله
تعالى يقول “ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا “
وقال تعالى “ يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم
يقصون عليكم آياتي “ صدق الله العظيم