بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
فتح الباري شرح صحيح البخاري
كِتَاب الطب 2



 باب الحبة السوداء
باب التَّلْبِينَةِ لِلْمَرِيضِ  
باب السَّعُوطِ 
باب السَّعُوطِ بِالْقُسْطِ الْهِنْدِيِّ وَالْبَحْرِيِّ 
باب الْحَجْمِ فِي السَّفَرِ وَالْإِحْرَامِ
باب الْحِجَامَةِ مِنْ الدَّاءِ
باب الْحِجَامَةِ عَلَى الرَّأْسِ  
باب الْحِجَامَةِ مِنْ الشَّقِيقَةِ وَالصُّدَاعِ 
باب الْحَلْقِ مِنْ الْأَذَى 
قوله: (باب الحلق من الأذى) أي حلق شعر الرأس وغيره.

 
باب الحبة السوداء
الشرح :
قوله: (باب الحبة السوداء) سيأتي بيان المراد بها في آخر الباب.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ خَرَجْنَا وَمَعَنَا غَالِبُ بْنُ أَبْجَرَ فَمَرِضَ فِي الطَّرِيقِ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ فَعَادَهُ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ فَقَالَ لَنَا عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحُبَيْبَةِ السَّوْدَاءِ فَخُذُوا مِنْهَا خَمْساً أَوْ سَبْعاً فَاسْحَقُوهَا ثُمَّ اقْطُرُوهَا فِي أَنْفِهِ بِقَطَرَاتِ زَيْتٍ فِي هَذَا الْجَانِبِ وَفِي هَذَا الْجَانِبِ فَإِنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْنِي أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ هَذِهِ الْحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا مِنْ السَّامِ قُلْتُ وَمَا السَّامُ قَالَ الْمَوْتُ
الشرح:
قوله: (حدثني عبد الله بن أبي شيبة) كذا سماه ونسبه لجده وهو أبو بكر، مشهور بكنيته أكثر من اسمه " وأبو شيبة جده، وهو ابن محمد بن إبراهيم، وكان إبراهيم أبو شيبة قاضي واسط.
قوله: (حدثنا عبيد الله) بالتصغير كذا للجميع غير منسوب، وكذا أخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبيد الله غير منسوب، وجزم أبو نعيم في " المستخرج " بأنه عبيد الله بن موسى، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي بكر الأعين والخطيب في كتاب " رواية الآباء عن الأبناء " من طريق أبي مسعود الرازي، وهو عندنا بعلو من طريقه، وأخرجه أيضا أحمد بن حازم عن أبي غرزة - بفتح المعجمة والراء والزاي - في مسنده، ومن طريقه الخطيب أيضا كلهم عن عبيد الله بن موسى، وهو الكوفي المشهور، ورجال الإسناد كلهم كوفيون، وعبيد الله بن موسى من كبار شيوخ البخاري، وربما حدث عنه بواسطة كالذي هنا.
قوله: (عن منصور) هو ابن المعتمر.
قوله: (عن خالد بن سعد) هو مولى أبي مسعود البدري الأنصاري، وما له في البخاري سوى هذا الحديث، وقد أخرجه المنجنيقي في كتاب رواية الأكابر عن الأصاغر عن عبيد الله بن موسى بهذا الإسناد فأدخل بين منصور وخالد بن سعد مجاهدا، وتعقبه الخطيب بعد أن أخرجه من طريق المنجنيقي بأن ذكر مجاهد فيه وهم.
ووقع في رواية المنجنيقي أيضا " خالد بن سعيد " بزيادة ياء في اسم أبيه، وهو وهم نبه عليه الخطيب أيضا.
قوله: (ومعنا غالب بن أبجر) بموحدة وجيم وزن أحمد، يقال إنه الصحابي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمر الأهلية.
وحديثه عند أبي داود.
قوله: (فعاده ابن أبي عتيق) في رواية أبي بكر الأعين " فعاده أبو بكر بن أبي عتيق " وكذا قال سائر أصحاب عبد الله بن موسى إلا المنجنيقي فقال في روايته " عن خالد بن سعد عن غالب بن أبجر عن أبي بكر الصديق عن عائشة " واختصر القصة، وبسياقها يتبين الصواب، قال الخطيب: وقوله في السند " عن غالب بن أبحر " وهم فليس لغالب فيه رواية، وإنما سمعه خالد مع غالب من أبي بكر بن أبي عتيق، قال وأبو بكر بن أبي عتيق هذا هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وأبو عتيق كنية أبيه محمد بن عبد الرحمن، وهو معدود في الصحابة لكونه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبوه وجده وجد أبيه صحابة مشهورون.
قوله: (عليكم بهذه الحبيبة السويداء) كذا هنا بالتصغير فيهما إلا الكشميهني فقال " السوداء " وهي رواية الأكثر ممن قدمت ذكره أنه أخرج الحديث.
قوله: (فإن عائشة حدثتني أن هذه الحبة السوداء شفاء) وللكشميهني " أن في هذه الحبة شفاء " كذا للأكثر.
وفي رواية الأعين " هذه الحبة السوداء التي تكون في الملح " وكان هذا قد أشكل علي، ثم ظهر لي أنه يريد الكمون وكانت عادتهم جرت أن يخلط بالملح.
قوله: (إلا من السام) بالمهملة بغير همز، ولابن ماجه " إلا أن يكون الموت"، وفي هذا أن الموت داء من جملة الأدواء، قال الشاعر " وداء الموت ليس له دواء " وقد تقدم توجيه إطلاق الداء على الموت في الباب الأول.
قوله: (قلت وما السام؟ قال: الموت) لم أعرف اسم السائل ولا القائل، وأظن السائل خالد بن سعد والمجيب ابن أبي عتيق.
وهذا الذي أشار إليه ابن أبي عتيق ذكره الأطباء في علاج الزكام العارض منه عطاس كثير وقالوا: تقلى الحبة السوداء ثم تدق ناعما ثم تنقع في زيت ثم يقطر منه في الأنف ثلاث قطرات، فلعل غالب بن أبجر كان مزكوما فلذلك وصف له ابن أبي عتيق الصفة المذكورة، وظاهر سياقه أنها موقوفة عليه، ويحتمل أن تكون عنده مرفوعة أيضا، فقد وقع في رواية الأعين عند الإسماعيلي بعد قوله من كل داء " وأقطروا عليها شيئا من الزيت " وفي رواية له أخرى " وربما قال وأقطروا الخ " وادعى الإسماعيلي أن هذه الزيادة مدرجة في الخبر، وقد أوضحت ذلك رواية ابن أبي شيبة؛ ثم وجدتها مرفوعة من حديث بريدة فأخرج المستغفري في " كتاب الطب " من طريق حسام بن مصك عن عبيد الله بن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن الحبة السوداء فيها شفاء " الحديث، قال وفي لفظ " قيل: وما الحبة السوداء؟ قال: الشونيز قال: وكيف أصنع بها؟ قال: تأخذ إحدى وعشرين حبة فتصرها في خرقة ثم تضعها في ماء ليلة، فإذا أصبحت قطرت في المنخر الأيمن واحدة وفي الأيسر اثنتين، فإذا كان من الغد قطرت في المنخر الأيمن اثنتين وفي الأيسر واحدة، فإذا كان اليوم الثالث قطرت في الأيمن واحدة وفي الأيسر اثنتين " ويؤخذ من ذلك أن معنى كون الحبة شفاء من كل داء أنها لا تستعمل في كل داء صرفا بل ربما استعملت مفردة، وربما استعملت مركبة، وربما استعملت مسحوقة وغير مسحوقة، وربما استعملت أكلا وشربا وسعوطا وضمادا وغير ذلك.
وقيل أن قوله " كل داء " تقديره يقبل العلاج بها، فإنها تنفع من الأمراض الباردة، وأما الحارة فلا.
نعم قد تدخل في بعض الأمراض الحارة اليابسة بالعرض فتوصل قوى الأدوية الرطبة الباردة إليها بسرعة تنفيذها، ويستعمل الحار في بعض الأمراض الحارة لخاصية فيه لا يستنكر كالعنزروت فإنه حار ويستعمل في أدوية الرمد المركبة، مع أن الرمد ورم حار باتفاق الأطباء، وقد قال أهل العلم بالطب: إن طبع الحبة السوداء حار يابس، وهي مذهبة للنفخ، نافعة من حمى الربع والبلغم، مفتحة للسدد والريح، مجففة لبلة المعدة، وإذا دقت وعجنت بالعسل وشربت بالماء الحار أذابت الحصاة وأدرت البول والطمث، وفيها جلاء وتقطيع، وإذا دقت وربطت بخرقة من كتان وأديم شمها نفع من الزكام البارد، وإذا نقع منها سبع حبات في لبن امرأة وسعط به صاحب اليرقان أفاده، وإذا شرب منها وزن مثقال بماء أفاد من ضيق النفس، والضماد بها ينفع من الصداع البارد، وإذا طبخت بخل وتمضمض بها نفعت من وجع الأسنان الكائن عن برد، وقد ذكر ابن البيطار وغيره ممن صنف في المفردات في منافعها هذا الذي ذكرته وأكثر منه.


وقال الخطابي: قوله " من كل داء " هو من العام الذي يراد به الخاص، لأنه ليس في طبع شيء من النبات ما يجمع جميع الأمور التي تقابل الطبائع في معالجة الأدواء بمقابلها، وإنما المراد أنها شفاء من كل داء يحدث من الرطوبة.
وقال أبو بكر بن العربي: العسل عند الأطباء أقرب إلى أن يكون دواء من كل داء من الحبة السوداء، ومع ذلك فإن من الأمراض ما لو شرب صاحبه العسل لتأذى به، فإن كان المراد بقوله في العسل " فيه شفاء للناس " الأكثر الأغلب فحمل الحبة السوداء على ذلك أولى.
وقال غيره: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصف الدواء بحسب ما يشاهده من حال المريض، فلعل قوله في الحبة السوداء وافق مرض من مزاجه بارد، فيكون معني قوله " شفاء من كل داء " أي من هذا الجنس الذي وقع القول فيه، والتخصيص بالحيثية كثير شائع والله أعلم.
وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: تكلم الناس في هذا الحديث وخصوا عمومه وردوه إلى قول أهل الطب والتجربة، ولا خفاء بغلط قائل ذلك، لأنا إذا صدقنا أهل الطب - ومدار علمهم غالبا إنما هو على التجربة التي بناؤها على ظن غالب - فتصديق من لا ينطق عن الهوى أولى بالقبول من كلامهم.
انتهى وقد تقدم توجيه حمله على عمومه بأن يكون المراد بذلك ما هو أعم من الإفراد والتركيب، ولا محذور في ذلك ولا خروج عن ظاهر الحديث، والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا السَّامَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَالسَّامُ الْمَوْتُ وَالْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ الشُّونِيزُ
الشرح:
قوله: (أخبرني أبو سلمة) هو ابن عبد الرحمن بن عوف.
قوله: (وسعيد هو ابن المسيب) كذا في رواية عقيل، وأخرجه مسلم من وجهين اقتصر في كل منهما على واحد منهما، وأخرجه مسلم أيضا من رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ " ما من داء إلا وفي الحبة السوداء منه شفاء إلا السام".
قوله: (والحبة السوداء الشونيز) كذا عطفه على تفسير ابن شهاب للسام، فاقتضى ذلك أن تفسير الحبة السوداء أيضا له.
والشونيز بضم المعجمة وسكون الواو وكسر النون وسكون التحتانية بعدها زاي.
وقال القرطبي: قيد بعض مشايخنا الشين بالفتح وحكى عياض عن ابن الأعرابي أنه كسرها فأبدل الواو ياء فقال الشينيز، وتفسير الحبة السوداء بالشونيز لشهوة الشونيز عندهم إذ ذاك، وأما الآن فالأمر بالعكس، والحبة السوداء أشهر عند أهل هذا العصر من الشونيز بكثير، وتفسيرها بالشونيز هو الأكثر الأشهر وهي الكمون الأسود ويقال له أيضا الكمون الهندي.
ونقل إبراهيم الحربي في " غريب الحديث " عن الحسن البصري أنها الخردل، وحكى أبو عبيد الهروي في " الغريبين " أنها ثمرة البطم بضم الموحدة وسكون المهملة، واسم شجرتها الضرو بكسر المعجمة وسكون الراء.
وقال الجوهري: هو صمغ شجرة تدعى الكمكام تجلب من اليمن، ورائحتها طيبة، وتستعمل في البخور.
قلت: وليست المراد هنا جزما.
وقال القرطبي: تفسيرها بالشونيز أولى من وجهين: أحدهما أنه قول الأكثر، والثاني كثرة منافعها بخلاف الخردل والبطم.


باب التَّلْبِينَةِ لِلْمَرِيضِ
الشرح:
قوله: (باب التلبينة للمريض) هي بفتح المثناة وسكون اللام وكسر الموحدة بعدها تحتانية ثم نون ثم هاء، وقد يقال بلا هاء، قال الأصمعي: هي حساء يعمل من دقيق أو نخالة ويجعل فيه عسل قال غيره: أو لبن.
سميت تلبينة تشبيها لها باللبن في بياضها ورقتها.
وقال ابن قتيبة: وعلى قول من قال يخلط فيها لبن سميت بذلك لمخالطة اللبن لها.
وقال أبو نعيم في الطب: هي دقيق بحت.
وقال قوم: فيه شحم.
وقال الداودي: يؤخذ العجين غير خمير فيخرج ماؤه فيجعل حسوا فيكون لا يخالطه شيء، فلذلك كثر نفعه.
وقال الموفق البغدادي: التلبينة الحساء ويكون في قوام اللبن، وهو الدقيق النضيج لا الغليظ النيئ.
الحديث:
حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينِ لِلْمَرِيضِ وَلِلْمَحْزُونِ عَلَى الْهَالِكِ وَكَانَتْ تَقُولُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ التَّلْبِينَةَ تُجِمُّ فُؤَادَ الْمَرِيضِ وَتَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ
الشرح:
قوله: (عبد الله) هو ابن المبارك.
قوله: (حدثنا يونس بن يزيد عن عقيل) هو من رواية الأقران.
وذكر النسائي فيما رواه أبو على الأسيوطي عنه أن عقيلا تفرد به عن الزهري.
ووقع في الترمذي عقب حديث محمد بن السائب بن بركة عن أمه عن عائشة في التلبينة، وقد رواه الزهري عن عروة عن عائشة " حدثنا بذلك الحسين بن محمد حدثنا أبو إسحاق الطالقاني حدثنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري " قال المزي: كذا في النسخ ليس فيه عقيل.
قلت: وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية نعيم بن حماد ومن رواية عبد الله بن سنان كلاهما عن ابن المبارك ليس فيه عقيل، وأخرجه أيضا من رواية علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك بإثباته، وهذا هو المحفوظ، وكأن من لم يذكر فيه عقيلا جرى على الجادة لأن يونس مكثر عن الزهري، وقد رواه عن عقيل أيضا الليث بن سعد وتقدم حديثه في كتاب الأطعمة.
قوله: (أنها كانت تأمر بالتلبين) في رواية الإسماعيلي " بالتلبينة " بزيادة الهاء.
قوله: (للمريض وللمحزون) أي بصنعه لكل منهما، وتقدم في رواية الليث عن عقيل " إن عائشة كانت إذا مات الميت من أهلها ثم اجتمع لذلك النساء ثم تفرقن أمرت ببرمة تلبينة فطبخت ثم قالت: كلوا منها".
قوله: (عليكم بالتلبينة) أي كلوها.
قوله: (فإنها تجم) بفتح المثناة وضم الجيم وبضم أوله وكسر ثانيه وهما بمعنى، ووقع في رواية الليث " فإنها مجمة " بفتح الميم والجيم وتشديد الميم الثانية هذا هو المشهور، وروي بضم أوله وكسر ثانيه وهما بمعنى، يقال جم وأجم، والمعني أنها تريح فؤاده وتزيل عنه الهم وتنشطه، والجام بالتشديد المستريح، والمصدر الجمام والإجمام، ويقال جم الفرس وأجم إذا أريح فلم يركب فيكون أدعى لنشاطه.
وحكى ابن بطال أنه روي تخم بخاء معجمة قال: والمخمة المكنسة.
الحديث:
حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينَةِ وَتَقُولُ هُوَ الْبَغِيضُ النَّافِعُ
الشرح:
(حدثنا فروة) بفتح الفاء (ابن أبي المغراء) بفتح الميم وسكون المعجمة وبالمد هو الكندي الكوفي، واسم أبي المغراء معد يكرب وكنية فروة أبو القاسم، من الطبقة الوسطى من شيوخ البخاري ولم يكثر عنه.
قوله: (أنها كانت تأمرنا بالتلبينة وتقول: هو البغيض النافع) كذا فيه موقوفا، وقد حذف الإسماعيلي هذه الطريق وضاقت على أبي نعيم فأخرجها من طريق البخاري هذه عن فروة، ووقع عند أحمد وابن ماجه من طريق كلثم عن عائشة مرفوعا " عليكم بالبغيض النافع التلبينة يعني الحساء " وأخرجه النسائي من وجه آخر عن عائشة وزاد " والذي نفس محمد بيده إنها لتغسل بطن أحدكم كما يغسل أحدكم الوسخ عن وجهه بالماء " وله وهو عند أحمد والترمذي من طريق محمد بن السائب بن بركة عن أمه عن عائشة قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء فصنع، ثم أمرهم فحسوا منه ثم قال: إنه يرتو فؤاد الحزين ويسرو عن فؤاد السقيم، كما تسرو إحداكن الوسخ عن وجهها بالماء".
ويرتو بفتح أوله وسكون الراء وضم المثناة ويسرو وزنه بسين مهملة ثم راء، ومعني يرتو يقوي ومعنى يسرو يكشف، والبغيض بوزن عظيم من البغض أي يبغضه المريض مع كونه ينفعه كسائر الأدوية.
وحكى عياض أنه وقع في رواية أبي زيد المروزي بالنون بدل الموحدة، قال: ولا معني له هنا.
قال الموفق البغدادي: إذا شئت معرفة منافع التلبينة فاعرف منافع ماء الشعير ولا سيما إذا كان نخالة، فإنه يجلو وينفذ بسرعة ويغذي غذاء لطيفا، وإذا شرب حارا كان أجلى وأقوى نفوذا وأنمى للحرارة الغريزية.
قال: والمراد بالفؤاد في الحديث رأس المعدة فإن فؤاد الحزين يضعف باستيلاء اليبس على أعضائه وعلى معدته خاصة لتقليل الغذاء، والحساء يرطبها ويغذيها ويقويها، ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض، لكن المريض كثيرا ما يجتمع في معدته خلط مراري أو بلغمي أو صديدي، وهذا الحساء يجلو ذلك عن المعدة.
قال: وسماه البغيض النافع لأن المريض يعافه وهو نافع له، قال: ولا شيء أنفع من الحساء لمن يغلب عليه في غذائه الشعير، وأما من يغلب على غذائه الحنطة فالأولى به في مرضه حساء الشعير.
وقال صاحب " الهدى ": التلبينة أنفع من الحساء لأنها تطبخ مطحونة فتخرج خاصة الشعير بالطحن، وهي أكثر تغذية وأقوى فعلا وأكثر جلاء، وإنما اختار الأطباء النضيج لأنه أرق وألطف فلا يثقل على طبيعة المريض.
وينبغي أن يختلف الانتفاع بذلك بحسب اختلاف العادة في البلاد، ولعل اللائق بالمريض ماء الشعير إذا طبخ صحيحا، وبالحزين إذا طبخ مطحونا، لما تقدمت الإشارة من الفرق بينهما في الخاصية والله أعلم.


باب السَّعُوطِ
الشرح:
قوله: (باب السعوط) بمهملتين: ما يجعل في الأنف مما يتداوى به.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ وَاسْتَعَطَ
الشرح:
قوله: (واستعط) أي استعمل السعوط وهو أن يستلقي على ظهره ويجعل بين كتفيه ما يرفعهما لينحدر رأسه ويقطر في أنفه ماء أو دهن فيه دواء مفرد أو مركب، ليتمكن بذلك من الوصول إلى دماغه لاستخراج ما فيه من الداء بالعطاس، وسيأتي ذكر ما يستعط به في الباب الذي يليه.
وأخرج الترمذي من وجه آخر عن ابن عباس رفعه " أن خير ما تداويتم به السعوط".


باب السَّعُوطِ بِالْقُسْطِ الْهِنْدِيِّ وَالْبَحْرِيِّ
وَهُوَ الْكُسْتُ مِثْلُ الْكَافُورِ وَالْقَافُورِ مِثْلُ كُشِطَتْ وَقُشِطَتْ نُزِعَتْ وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ قُشِطَتْ
الشرح:
قوله: (باب السعوط بالقسط الهندي والبحري) قال أبو بكر بن العربي القسط نوعان: هندي وهو أسود، وبحري وهو أبيض، والهندي أشدهما حرارة.
قوله: (وهو الكست) يعني أنه يقال بالقاف وبالكاف، ويقال بالطاء وبالمثناة، وذلك لقرب كل من المخرجين بالآخر، وعلى هذا أيضا مع القاف بالمثناة ومع الكاف بالطاء، وقد تقدم في حديث أم عطية عند الطهر من الحيض " نبذة من الكست " وفي رواية عنها " من قسط " ومضى للمصنف في ذلك كلام في " باب القسط للحادة".
قوله: (مثل الكافور والقافور) تقدم هذا في " باب القسط للحادة".
قوله: (ومثل كشطت وقشطت، وقرأ عبد الله قشطت) زاد النسفي " أي نزعت " يريد أن عبد الله بن مسعود قرأ " وإذا السماء قشطت " بالقاف ولم تشتهر هذه القراءة، وقد وجدت سلف البخاري في هذا: فقرأت في كتاب " معاني القرآن للفراء " في قوله تعالى: (وإذا السماء كشطت) قال يعني نزعت، وفي قراءة عبد الله قشطت بالقاف والمعنى واحد، والعرب تقول: الكافور والقافور والقشط والكشط وإذا تقارب الحرفان في المخرج تعاقبا في المخرج هكذا رأيته في نسخة جيدة منه " الكشط " بالكاف والطاء والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ يُسْتَعَطُ بِهِ مِنْ الْعُذْرَةِ وَيُلَدُّ بِهِ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ وَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنٍ لِي لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّ عَلَيْهِ
الشرح:
قوله: (عن عبيد الله) سيأتي بلفظ " أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة".
قوله: (عن أم قيس بنت محصن) وقع عند مسلم التصريح بسماعه له منها، وسيأتي أيضا قريبا.
قوله: (عليكم بهذا العود الهندي) كذا وقع هنا مختصرا، ويأتي بعد أبواب في أوله قصة " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بابن لي وقد أعلقت عليه من العذرة فقال: عليكن بهذا العود الهندي".
وأخرج أحمد وأصحاب السنن من حديث جابر مرفوعا " أيما امرأة أصاب ولدها عذرة أو وجع في رأسه فلتأخذ قسطا هنديا فتحكه بماء ثم تسعطه إياه " وفي حديث أنس الآتي بعد بابين " إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري " وهو محمول على أنه وصف لكل ما يلائمه، فحيث وصف الهندي كان لاحتياج في المعالجة إلى دواء شديد الحرارة، وحيث وصف البحري كان دون ذلك في الحرارة، لأن الهندي كما تقدم أشد حرارة من البحري.
وقال ابن سينا: القسط حار في الثالثة يابس في الثانية.
قوله: (فإن فيه سبعة أشفية) جمع شفاء كدواء وأدوية.
قوله: (يسعط به من العذرة، ويلد به من ذات الجنب) كذا وقع الاقتصار في الحديث من السبعة على اثنين، فأما أن يكون ذكر السبعة فاختصره الراوي أو اقتصر على الاثنين لوجودهما حينئذ دون غيرهما، وسيأتي ما يقوي الاحتمال الثاني.
وقد ذكر الأطباء من منافع القسط أنه يدر الطمث والبول ويقتل ديدان الأمعاء ويدفع السم وحمى الربع والورد ويسخن المعدة ويحرك شهوة الجماع ويذهب الكلف طلاء، فذكروا أكثر من سبعة، وأجاب بعض الشراح بأن السبعة علمت بالوحي وما زاد عليها بالتجربة، فاقتصر على ما هو بالوحي لتحققه وقيل ذكر ما يحتاج إليه دون غيره لأنه لم يبعث بتفاصيل ذلك قلت: ويحتمل أن تكون السبعة أصول صفة التداوي بها؛ لأنها إما طلاء أو شرب أو تكميد أو تنطيل أو تبخير أو سعوط أو لدود؛ فالطلاء يدخل في المراهم ويحلى بالزيت ويلطخ، وكذا التكميد، والشرب يسحق ويجعل في عسل أو ماء أو غيرهما، وكذا التنطيل، والسعوط يسحق في زيت ويقطر في الأنف، وكذا الدهن، والتبخير واضح، وتحت كل واحدة من السبعة منافع لأدواء مختلفة ولا يستغرب ذلك ممن أوتي جوامع الكلم.
وأما العذرة فهي بضم المهملة وسكون المعجمة وجع في الحلق يعتري الصبيان غالبا، وقيل هي قرحة تخرج بين الأذن والحلق أو في الخرم الذي بين الأنف والحلق، قيل سميت بذلك لأنها تخرج غالبا عند طلوع العذرة؛ وهي خمسة كواكب تحت الشعري العبور، ويقال لها أيضا العذاري، وطلوعها يقع وسط الحر.
وقد استشكل معالجتها بالقسط مع كونه حارا والعذرة إنما تعرض في زمن الحر بالصبيان وأمزجتهم حارة ولا سيما وقطر الحجاز حار، وأجيب بأن مادة العذرة دم يغلب عليه البلغم، وفي القسط تخفيف للرطوبة.
وقد يكون نفعه في هذا الدواء بالخاصية، وأيضا فالأدوية الحارة قد تنفع في الأمراض الحارة بالعرض كثيرا، بل وبالذات أيضا.
وقد ذكر ابن سينا في معالجة سعوط اللهاة القسط مع الشب اليماني وغيره.
على أننا لو لم نجد شيئا من التوجيهات لكان أمر المعجزة خارجا عن القواعد الطبية.
وسيأتي بيان ذات الجنب في " باب اللدود " وفيه شرح بقية حديث أم قيس هذا.
وقولها " ودخلت على النبي صلى الله عليه وسلم بابن لي " تقدم مطولا في الطهارة، وهو حديث آخر لأم قيس وقع ذكره هنا استطرادا، والله أعلم.


باب أَيَّ سَاعَةٍ يَحْتَجِمُ وَاحْتَجَمَ أَبُو مُوسَى لَيْلاً
الشرح:
قوله: (باب أية ساعة يحتجم) في رواية الكشميهني " أي ساعة " بلا هاء، والمراد بالساعة في الترجمة مطلق الزمان لا خصوص الساعة المتعارفة.
قوله (واحتجم أبو موسى ليلا) تقدم موصولا في كتاب الصيام، وفيه أن امتناعه من الحجامة نهارا كان بسبب الصيام لئلا يدخله خلل، وإلى ذلك ذهب مالك فكره الحجامة للصائم لئلا يغرر بصومه، لا لكون الحجامة تفطر الصائم.
وقد تقدم البحث في حديث " أفطر الحاجم والمحجوم " هناك وورد في الأوقات اللائقة بالحجامة أحاديث ليس فيها شيء على شرطه، فكأنه أشار إلى أنها تصنع عند الاحتياج ولا تتقيد بوقت دون وقت، لأنه ذكر الاحتجام ليلا.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَائِمٌ
الشرح:
ذكر حديث ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم " وهو يقتضي كون ذلك وقع منه نهارا، وعند الأطباء أن أنفع الحجامة ما يقع في الساعة الثانية أو الثالثة، وأن لا يقع عقب استفراغ عن جماع أو حمام أو غيرهما ولا عقب شبع ولا جوع.
وقد ورد في تعيين الأيام للحجامة حديث لابن عمر عند ابن ماجه رفعه في أثناء حديث وفيه " فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس، واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء؛ واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء والجمعة والسبت والأحد " أخرجه من طريقين ضعيفين، وله طريق ثالثة ضعيفة أيضا عند الدار قطني في " الأفراد " وأخرجه بسند جيد عن ابن عمر موقوفا، ونقل الخلال عن أحمد أنه كره الحجامة في الأيام المذكورة وأن الحديث لم يثبت، وحكى أن رجلا احتجم يوم الأربعاء فأصابه برص لكونه تهاون بالحديث.
وأخرج أبو داود من حديث أبي بكرة أنه كان يكره الحجامة يوم الثلاثاء وقال " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يوم الثلاثاء يوم الدم، وفيه ساعة لا يرقأ فيها".
وورد في عدد من الشهر أحاديث: منها ما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة رفعه " من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء " وهو من رواية سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن سهيل بن أبي صالح، وسعيد وثقه الأكثر ولينه بعضهم من قبل حفظه.
وله شاهد من حديث ابن عباس عند أحمد والترمذي ورجاله ثقات، لكنه معلول.
وشاهد آخر من حديث أنس عند ابن ماجه، وسنده ضعيف.
وهو عند الترمذي من وجه آخر عن أنس لكن من فعله صلى الله عليه وسلم، ولكون هذه الأحاديث لم يصح منها شيء قال حنبل بن إسحاق: كان أحمد يحتجم أي وقت هاج به الدم وأي ساعة كانت.
وقد اتفق الأطباء على أن الحجامة في النصف الثاني من الشهر ثم في الربع الثالث من أرباعه أنفع من الحجامة في أوله وآخره، قال الموفق البغدادي: وذلك أن الأخلاط في أول الشهر تهيج وفي آخره تسكن، فأولى ما يكون الاستفراغ في أثنائه.
والله أعلم.


باب الْحَجْمِ فِي السَّفَرِ وَالْإِحْرَامِ
قَالَهُ ابْنُ بُحَيْنَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح:
قوله: (باب الحجم في السفر والإحرام، قاله ابن بحينة عن النبي صلى الله عليه وسلم) كأنه يشير إلى ما أورده في الباب الذي يليه موصولا عن عبيد الله بن بحينة " أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم في طريق مكة " وقد تبين في حديث ابن عباس أنه كان حينئذ محرما، فانتزعت الترجمة من الحديثين معا، على أن حديث ابن عباس وحده كاف في ذلك، لأن من لازم كونه صلى الله عليه وسلم كان محرما أن يكون مسافرا، لأنه لم يحرم قط وهو مقيم.
وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بحجامة المحرم في كتاب الحج، وأما الحجامة للمسافر فعلى ما تقدم أنها تفعل عند الاحتياج إليها من هيجان الدم ونحو ذلك فلا يختص ذلك بحالة دون حالة، والله أعلم.


باب الْحِجَامَةِ مِنْ الدَّاءِ
الشرح:
قوله: (باب الحجامة من الداء) أي بسبب الداء.
قال الموفق البغدادي: الحجامة تنقي سطح البدن أكثر من الفصد، والفصد لأعماق البدن، والحجامة للصبيان وفي البلاد الحارة أولى من الفصد وآمن غائلة، وقد تغني عن كثير من الأدوية، ولهذا وردت الأحاديث بذكرها دون الفصد، ولأن العرب غالبا ما كانت تعرف إلا الحجامة.
وقال صاحب الهدى: التحقيق في أمر الفصد والحجامة أنهما يختلفان باختلاف الزمان والمكان والمزاج، فالحجامة في الأزمان الحارة والأمكنة الحارة والأبدان الحارة التي دم أصحابها في غاية النضج أنفع، والفصد بالعكس، ولهذا كانت الحجامة أنفع للصبيان ولمن لا يقوى على الفصد.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَجْرِ الْحَجَّامِ فَقَالَ احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ وَأَعْطَاهُ صَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفُوا عَنْهُ وَقَالَ إِنَّ أَمْثَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ الْبَحْرِيُّ وَقَالَ لَا تُعَذِّبُوا صِبْيَانَكُمْ بِالْغَمْزِ مِنْ الْعُذْرَةِ وَعَلَيْكُمْ بِالْقُسْطِ
الشرح:
قوله: (عبد الله) هو ابن المبارك.
قوله: (عن أنس) في رواية شعبة عن حميد " سمعت أنسا " وقد تقدمت الإشارة إليه في الإجارة.
قوله (عن أجر الحجام) في رواية أحمد عن يحيي القطان عن حميد " كسب الحجام".
قوله: (حجمه أبو طيبة) بفتح المهملة وسكون التحتانية بعدها موحدة، تقدم في الإجارة ذكر تسميته وتعيين مواليه، وكذا جنس ما أعطي من الأجرة وأنه تمر، وحكم كسبه، فأغني عن إعادته.
قوله: (وقال: إن أمثل ما تداويتم به الحجامة) هو موصول بالإسناد المذكور، وقد أخرجه النسائي مفردا من طريق زياد بن سعد وغيره عن حميد عن أنس بلفظ " خير ما تداويتم به الحجامة " ومن طريق معتمر عن حميد بلفظ " أفضل"، قال أهل المعرفة: الخطاب بذلك لأهل الحجاز ومن كان في معناهم من أهل البلاد الحارة، لأن دماءهم رقيقة وتميل إلى ظاهر الأبدان لجذب الحرارة الخارجة لها إلى سطح البدن، ويؤخذ من هذا أن الخطاب أيضا لغير الشيوخ لقلة الحرارة في أبدانهم.
وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن ابن سيرين قال: إذا بلغ الرجل أربعين سنة لم يحتجم.
قال الطبري. وذلك أنه يصير من حينئذ في انتقاص من عمره وانحلال من قوى جسده، فلا ينبغي أن يزيده وهيا بإخراج الدم ا ه.
وهو محمول على من لم تتعين حاجته إليه، وعلى من لم يعتد به، وقد قال ابن سينا في أرجوزته: ومن يكن تعود الفصادة فلا يكن يقطع تلك العادة ثم أشار إلى أمه يقلل ذلك بالتدريج إلى أن ينقطع جملة في عشر الثمانين.
قوله: (وقال لا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة؛ وعليكم بالقسط) هو موصول أيضا بالإسناد المذكور إلى حميد عن أنس مرفوعا.
وقد أورده النسائي من طريق يزيد بن زريع عن حميد به مضموما إلى حديث " خير ما تداويتم به الحجامة " وقد اشتمل هذا الحديث على مشروعية الحجامة والترغيب في المداواة بها ولا سيما لمن احتاج إليها، وعلى حكم كسب الحجام وقد تقدم في الإجارة، وعلى التداوي بالقسط وقد تقدم قريبا، وسيأتي الكلام على الأعلاق في العذرة والغمزة في " باب اللدود".
الحديث:
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو وَغَيْرُهُ أَنَّ بُكَيْراً حَدَّثَهُ أَنَّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَادَ الْمُقَنَّعَ ثُمَّ قَالَ لَا أَبْرَحُ حَتَّى تَحْتَجِمَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ فِيهِ شِفَاءً
الشرح:
قوله: (حدثنا سعيد بن تليد) بمثناة ولام وزن سعيد، وهو سعيد بن عيسى بن تليد نسب لجده، وهو مصري، وثقه أبو يونس وقال: كان فقيها ثبتا في الحديث، وكان يكتب للقضاة.
قوله: (أخبرني عمرو وغيره) أما عمرو فهو ابن الحارث، وأما غيره فما عرفته؛ ويغلب على ظني أنه ابن لهيعة، وقد أخرج الحديث أحمد ومسلم والنسائي وأبو عوانة والطحاوي والإسماعيلي وابن حبان من طرق عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث وحده لم يقل أحد في الإسناد " وغيره " والله أعلم.
قوله: (أن بكيرا حدثه) هكذا أفرد الضمير لواحد بعد أن قدم ذكر اثنين، وبكير هو ابن عبد الله بن الأشج وربما نسب لجده، مدني سكن مصر، والإسناد إليه مصريون.
قوله: (عاد المقنع) بقاف ونون ثقيلة مفتوحة هو ابن سنان تابعي.
لا أعرفه إلا في هذا الحديث.
قوله: (إن فيه شفاء) كذا ذكره بكير بن الأشج مختصرا، ومضى في " باب الدواء بالعسل " من طريق عبد الرحمن ابن الغسيل عن عاصم بن عمر مطولا، وسيأتي أيضا عن قرب.


باب الْحِجَامَةِ عَلَى الرَّأْسِ
الشرح:
قوله: (باب الحجامة على الرأس) ورد في فضل الحجامة في الرأس حديث ضعيف أخرجه ابن عدي من طريق عمر بن رباح عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رفعه " الحجامة في الرأس تنفع من سبع: من الجنون والجذام والبرص والنعاس والصداع ووجع الضرس والعين".
وعمر متروك رماه الفلاس وغيره بالكذب، ولكن قال الأطباء: إن الحجامة في وسط الرأس نافعة جدا، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعلها كما في أول حديثي الباب وآخرهما وإن كان مطلقا فهو مقيد بأولهما، وورد أنه صلى الله عليه وسلم احتجم أيضا في الأخدعين والكاهل أخرجه الترمذي وحسنه وأبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم.


قال أهل العلم بالطب: فصد الباسليق ينفع حرارة الكبد والطحال والرئة ومن الشوصة وذات الجنب وسائر الأمراض الدموية العارضة من أسفل الركبة إلى الورك، وفصد الأكحل ينفع الامتلاء العارض في جميع البدن إذا كان دمويا ولا سيما إن كان فسد، وفصد القيفال ينفع من علل الرأس والرقبة إذا كثر الدم أو فسد، وفصد الودجين لوجع الطحال والربو ووجه الجنبين، والحجامة على الكاهل تنفع من وجه المنكب والحلق وتنوب عن فصد الباسليق، والحجامة على الأخدعين تنفع من أمراض الرأس والوجه كالأذنين والعينين والأسنان والأنف والحلق وتنوب عن فصد القيفال، والحجامة تحت الذقن تنفع من وجع الأسنان والوجه والحلقوم وتنقي الرأس، والحجامة على ظهر القدم تنوب عن فصد الصافن وهو عرق عند الكعب وتنفع من قروح الفخذين والساقين وانقطاع الطمث والحكة العارضة في الأنثيين، والحجامة على أسفل الصدر نافعة من دماميل الفخذ وجربه وبثوره ومن النقرس والبواسير وداء الفيل وحكة الطهر، ومحل ذلك كله إذا كان عن دم هائج وصادفه وقت الاحتياج إليه، والحجامة على المقعدة تنقع الأمعاء وفساد الحيض.
الحديث:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ بُحَيْنَةَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ بِلَحْيِ جَمَلٍ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ فِي رَأْسِهِ
الشرح:
قوله: (حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس، وسليمان هو ابن بلال، وعلقمة هو ابن أبي علقمة، والسند كله مدنيون، وقد تقدم بيان حاله في أبواب المحصر في الحج.
قوله: (احتجم بلحمه جمل) كذا وقع بالتثنية وتقدم بلفظ الإفراد واللام مفتوحة ويجوز كسرها، وجمل بفتح الجيم والميم، قال ابن وضاح: هي بقعة معروفة وهي عقبة الجحفة على سبعة أميال من السقيا، وزعم بعضهم أنه الآلة التي احتجم بها أي احتجم بعظم جمل، والأول المعتمد، وسأذكر في حديث ابن عباس التصريح بقصة ذلك.
قوله: (في وسط رأسه) بفتح السين المهملة ويجوز تسكينها، وتقدم بيانه في كتاب الحج وقول من فرق بينهما.
قوله: (وقال الأنصاري) وصله الإسماعيلي قال: " حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا عبيد الله بن فضالة حدثنا محمد بن عبد الأنصاري " فذكره بلفظ " احتجم احتجامة في رأسه " ووصله البيهقي من طريق أبي حاتم الرازي حدثنا الأنصاري بلفظ " احتجم وهو محرم من صداع كان به أو داء، واحتجم فيما يقال له لحي جمل " وهكذا أخرجه أحمد عن الأنصاري، وسيأتي في الباب الذي بعده في حديث ابن عباس بلفظ " بما يقال له لحي جمل".


باب الْحِجَامَةِ مِنْ الشَّقِيقَةِ وَالصُّدَاعِ
الشرح:
قوله: (باب الحجامة من الشقيقة والصداع) أي بسببهما، وقد سقطت هذه الترجمة من رواية النسفي، وأورد ما فيها في الذي قبله، وهو متجه.
والشقيقة بشين معجمة وقافين وزن عظيمة: وجع يأخذ في أحد جانبي الرأس أو في مقدمه، وذكر أهل الطب أنه من الأمراض المزمنة، وسببه أبخرة مرتفعة أو أخلاط حارة أو باردة ترتفع إلى الدماغ، فإن لم تجد منفذا أحدث الصداع، فإن مال إلى أحد شقي الرأي أحدث الشقيقة، وإن ملك قمة الرأس أحدث داء البيضة.
وذكر الصداع بعده من العام بعد الخاص.
وأسباب الصداع كثيرة جدا: منها ما تقدم، ومنها ما يكون عن ورم في المعدة أو في عروقها، أو ريح غليظة فيها أو لامتلائها، ومنها ما يكون من الحركة العنيفة كالجماع والقيء والاستفراغ أو السهر أو كثرة الكلام، ومنها ما يحدث عن الأغراض النفسانية كالهم والغم والحزن والجوع والحمى، ومنها ما يحدث عن حادث في الرأس كضربة تصيبه، أو ورم في صفاق الدماغ، أو حمل شيء ثقيل يضغط الرأس، أو تسخينه بلبس شيء خارج عن الاعتدال، أو تبريده بملاقاة الهواء أو الماء في البرد.
وأما الشقيقة بخصوصها فهي في شرايين الرأس وحدها، وتختص بالموضع الأضعف من الرأس؛ وعلاجها بشد العصابة وقد أخرج أحمد من حديث بريدة " أنه صلى الله عليه وسلم كان ربما أخذته الشقيقة؛ فيمكث اليوم واليومين لا يخرج " الحديث.
وتقدم في الوفاة النبوية حديث ابن عباس " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عصب رأسه".
الحديث:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَأْسِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ بِمَاءٍ يُقَالُ لَهُ لُحْيُ جَمَلٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي رَأْسِهِ مِنْ شَقِيقَةٍ كَانَتْ بِهِ
الشرح:
(عن هشام) هو ابن حسان، وقوله: " من وجع " كان قد بينه في الرواية التي بعد.
قوله: (وقال محمد بن سواء) بمهملة ومد هو السدوسي، واسم جده عنبر بمهملة ونون وموحدة؛ بصري يكني أبا الخطاب، ما له في البخاري سوى حديث موصول مضى في المناقب؛ وآخر يأتي في الأدب وهذا المعلق، وقد وصله الإسماعيلي قال: " حدثنا أبو يعلي حدثنا محمد بن عبد الله الأزدي حدثنا محمد بن سواء " فذكره سواء.
وقد اتفقت هذه الطرق عن ابن عباس أنه احتجم صلى الله عليه وسلم وهو محرم في رأسه، ووافقها حديث ابن بحينة، وخالف ذلك حديث أنس: فأخرج أبو داود والترمذي في " الشمائل " والنسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان من طريق معمر عن قتادة عنه قال، احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم على ظهر القدم من وجع كان به، ورجاله رجال الصحيح؛ إلا أن أبا داود حكى عن أحمد أن سعيد بن أبي عروبة رواه عن قتادة فأرسله، وسعيد أحفظ من معمر، وليست هذه بعلة قادحة، والجمع بين حديثي ابن عباس وأنس واضح بالحمل على التعدد؛ أشار إلى ذلك الطبري.
وفي الحديث أيضا جواز الحجامة للمحرم وأن إخراجه الدم لا يقدح في إحرامه، وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الحج، وحاصله أن المحرم إن احتجم وسط رأسه لعذر جاز مطلقا، فإن قطع الشعر وجبت عليه الفدية، فإن احتجم لغير عذر وقطع حرم؛ والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْغَسِيلِ قَالَ حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ لَذْعَةٍ مِنْ نَارٍ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ
الشرح:
قوله: (حدثنا إسماعيل بن أبان) هو الوراق الأزدي الكوفي أبو إسحاق - أو أبو إبراهيم - من كبار شيوخ البخاري. وهو صدوق، تكلم فيه الجوزجاني لأجل التشيع، قال ابن عدي: وهو مع ذلك صدوق. وفي عصره إسماعيل بن أبان آخر يقال له الغنوي، قال ابن معين: الغنوي كذاب والوراق ثقة. وقال ابن المديني: الوراق لا بأس به والغنوي كتبت عنه وتركته، وضعفه جدا. وكذا فرق بينهما أحمد وعثمان بن أبي شيبة وجماعة، وغفل من خلطهما.  وكانت وفاة الغنوي قبل الوراق بست سنين، والله أعلم.
قوله (حدثنا ابن الغسيل) هو عبد الرحمن بن سليمان، تقدم شرح حاله قريبا.


باب الْحَلْقِ مِنْ الْأَذَى
الشرح:
قوله: (باب الحلق من الأذى) أي حلق شعر الرأس وغيره.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِداً عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبٍ هُوَ ابْنُ عُجْرَةَ قَالَ أَتَى عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ بُرْمَةٍ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَنْ رَأْسِي فَقَالَ أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَاحْلِقْ وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةً أَوْ انْسُكْ نَسِيكَةً قَالَ أَيُّوبُ لَا أَدْرِي بِأَيَّتِهِنَّ بَدَأَ
الشرح:
حديث كعب بن عجرة في حلق رأسه وهو محرم بسبب كثرة القمل، مضى شرحه مستوفى في كتاب الحج، وكأنه أورده عقب حديث الحجامة وسط الرأس للإشارة إلى أن جواز حلق الشعر للمحرم لأجل الحجامة عند الحاجة إليها يستنبط من جواز حلق جميع الرأس للمحرم عند الحاجة.